تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[16 - 03 - 2010, 08:24 ص]ـ

ومن سورة مريم:

ومن قوله تعالى: (كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا)

فصدرت الآيات بدليل من أدلة الرحمة والعناية الخاصة بزكريا عليه السلام، فهو نبي كريم من أنبياء بني إسرائيل، والأنبياء عليهم السلام أحق الناس بالعناية الربانية فهذا: ذكر رحمة ربك، على ما اطرد في لسان العرب من حذف المسند إليه في صدر الكلام لدلالة السياق عليه، فاغتفر في مثل هذا الموضع حذف صدر الكلام أو ابتدائه، مع أنه عمدة، والأصل في العمدة أن لا تحذف بخلاف الفضلة كالمفعول والحال، وجاء الخبر مرفوعا، على ما اطرد في لسان العرب من رفع الخبر، وأشار صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، إلى وجه آخر تعظم فيه المنة الربانية بدوام ذكرها، إذ الذكر في الأصل منصوب على المصدرية من عامل محذوف مقدر من جنسه فـ: اذكر ذكرا، ثم عدل عن النصب إلى الرفع لدوام الذكر، فذلك آكد في تقرير عنايته، عز وجل، بعبده، زكريا، عليه السلام، فضلا عما في هبته الولد وقد تقدم به العمر، من دلالة على قدرته، عز وجل، على الإيجاد المعجز، فالآية قد دلت على كلا الأمرين: الإيجاد المعجز بخلق يحيى عليه السلام من أب قد تقدم به العمر، وأم عاقر لا تلد فضلا عن تقدمها في العمر فهي عجوز عقيم، فذلك من جنس الآية الكونية بهبة زكريا وزوجه، عليهما السلام، يحيى، عليه السلام، فمعنى الإعجاز فيه ظاهر إذ المحل غير قابل، فأصلحه الرب، جل وعلا، فذلك مئنة من قدرته النافذة، فصار أهلا لمباشرة سبب الاستيلاد بمقتضى السنة الكونية بالتقاء النطف وخلق العلق والمضغ، فذلك مئنة من حكمته البالغة، إذ أقام، تبارك وتعالى، الكون على أسباب تجري وفق سنن كونية مطردة، فاطراد السنة الكونية مئنة من انفراد الرب، جل وعلا، بالوحدانية، فلو كان للكون آلهة معه، لتعددت السنن بتعدد الآلهة، كما نرى في حال ممالك الأرض، فتتعدد الدساتير الأرضية بتعدد المتملكة والمتأمرة، فلكل قانونه الذي يحمل رعيته عليه، ولو جبرا بحد السيف، إلا من أقام ملكه على رسم النبوة، فقليل ما هم، وإن شئت فقل: فعديم ما هم في زماننا، فلما كان هذا الكون بمتملكته ومتأمرته ورعيته، وناطقيه وأعجمييه، وحيه وجماده، خاضعا لسنة كونية مطردة فلا يملك عنها خروجا، فهو خاضع لها خضوع المربوب للرب الخالق المدبر، فلا يسع ذرة من هذا الكون الخروج عن مشيئته العامة، وإن خرج كثير من المكلفين عن إرادة الشرع الحاكم، فكذبوا الرسالة، أو خالفوا عن أمرها، أو عطلوا أحكامها، فما كان ذلك إلا بالإرادة الكونية النافذة التي لا يملك أحد، أيا كان اسمه أو رسمه، الخروج عنها، فلما كان على هذا الوصف، فأمره في انتظام، ومدبره، جل وعلا، كل يوم هو في شأن، لا يغفل عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، فهو المحيط بجميع الكائنات، بعلمه الأول في الغيب، وعلمه الثاني في الشهادة، فيمد كلا بما يصلح شأنه، فمن كان على رسم التكليف، أمده بأسباب الدين: رسالات وشرائع يصلح بها أمر الروح الباطن، وأسباب الدنيا: أقواتا نازلة من السماء ونابتة من الأرض يصلح بها أمر الجسد الظاهر، فلما كان على هذا الوصف من إحاطة العلم وكمال القدرة وبلوغ الحكمة وسعة الرحمة، فرحمته الكونية قد وسعت كل شيء ورحمته الشرعية قد وسعت من اصطفاه فهداه وسدده إلى الإيمان بالرسالات، وعظيم المنة، فمنته الشرعية، كما تقدم، سابغة بإمداد الروح اللطيف بأسباب حياته من الروح النازل على قلوب الأنبياء، فهو للروح: روح تحييه، كما يحيى الجسد الكثيف بتخلل الروح أركانه، فإن نزعت منه فسد، فكذلك الروح إن نزع منه الإيمان وانقطع عنه مدد الرسالات، فهو إلى فساد صائر، ومنته الكونية قد اشتركت فيها كل الخلائق فهي مما يستوي فيها الإنسان الناطق والحيوان الأعجمي والنبت النامي بل والجماد فله سنته في الإيجاد والإعدام، وحال الصخور التي تنشأ من حملان الريح لذراتها من مكان إلى آخر، على ذلك خير شاهد.

ودلالة العناية الخاصة بأوليائه في هذا الخبر ظاهرة، فقد خرقت السنة الكونية إكراما لزكريا، عليه السلام، بالولد.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[17 - 03 - 2010, 08:28 ص]ـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير