تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولازمه من الكبر وضعف القوى فلا يرجو من تلك حاله الولد، قد حصل في ذهن المخاطب أو القارئ ابتداء، فيكون حقيقة من ذلك الوجه، فتلك حجة مطردة في كلام منكر المجاز، فنظره دوما إلى المعهود من اللسان، وإلى قرائن السياق التي تقيد الدلالة المعجمية المطلقة للفظ، والشاهد أن المعنى المراد: بيان شدة ضعفه، عليه السلام، التي أطنب في إظهارها ثم ذيل بالرجاء والطمع في عطايا من لا تنفد عطاياه الكونية، فهي ككلماته الكونية التي يهب بها ويمنع، فلا نفاد لها فـ: (قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا)، فـ: لَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا: فأطنب بتكرار وصف الربوبية إحسانا للظن بالباري، عز وجل، فلم يعهد من ربه، جل وعلا، عدم إجابة، فهو الكريم الذي لا يرد من طرق بابه بدعاء أو توبة، وإنما يعجل الداعي، أو يقوم به المانع من الإجابة، فالعيب فيه لا فيمن دعاه، فهو، جل وعلا، المنزه عن وصف البخل، وإنما يربي عباده بالعطاء تارة والمنع أخرى، ولا يخلو فعله في كلا الحالين من حكمة ورحمة وعطاء، ولو مدخر، لمن لم يستجب له، فيرد بدعائه عنه مصيبة أعظم، أو يدخر له ثوابه عنده، فالبشر قد طبعوا على العجلة، و: "يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ يَقُولُ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي".

وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي: فخاف ألا يحفظ بنو إسرائيل ما أوتيه من العلم، فطلب وليا من لدن الرب، جل وعلا، لا ليرث ماله، فلم يكن ذا ثروة وجاه، بل كان، عليه السلام، نجارا يأكل من عمل يده، والأنبياء لا يورثون فذلك أبلغ في نفي الشبهة عنهم، فلسان مقالة الأنبياء عليهم السلام: "لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ"، و: "وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ"، فلو ورثوا مالا أو سلطانا لشنع عليهم أصحاب الشبهات بأنهم أسسوا ملكا بزعم النبوة، كما رمى بها أحد زنادقة العصر: النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فادعى أنه مؤسس الملك الهاشمي أو القرشي برسم النبوة، والتاريخ يكذبه فإنه لم يعهد بخلافته لأحد على الراجح من أقوال أهل العلم، وعلى القول الآخر نص نصا ظاهرا أو خفيا، على خلافة الصديق، رضي الله عنه، وليس من عشيرته الأقربين بل هو من بطن ضعيف من بطون قريش لا حظوة له كبني هاشم أو بني أمية، فالأنبياء، عليهم السلام، منزهون عن توريث الحكم!، كما يجري في زماننا، بل إن خلفاءهم برسم الرشد لم يفعلوا ذلك، فاختار الصديق عمرَ، رضي الله عنه، وليس تيميا مثله، وجعلها عمر، رضي الله عنه، في ستة ليس منهم عدوي مثله، فأخرج ابنه عبد الله، رضي الله عنه، وابن عمه: سعيد بن زيد، رضي الله عنه، مع أنه من العشرة، ولم يجعلها عثمان، رضي الله عنه، لأموي، ولم يوص بها علي، رضي الله عنه، لأحد، كما أثر عنه، وإنما ولى الناس بعده الحسن، رضي الله عنه، لعظم نصحه للجماعة لا لوصية من أبيه، فتولاها راشدا، وتنازل عنها لمعاوية، رضي الله عنه، مختارا، فكان السيد الهمام الذي بشر بصنيعه في حقن دماء أهل الإسلام خير الأنام صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويقبح، كما ذكر ذلك ابن تيمية رحمه الله في "منهاج السنة" في معرض الرد على من استدل بآية إرث سليمان داودَ عليهما السلام على إرث الإمامة وليس الإرث كما تقدم لملك أو مال بل هو إرث النبوة، يقبح في حق آحاد البشر أن يكون همه من الولد أن يحجب به بقية الورثة!، فلا يبغي بالولد إلا النكاية في إخوته وعشيرته، فكيف تتعلق همة نبي بغرض كهذا، فيكون همه من الولد: وريثا يرث ماله لئلا يظفر به من ليس من نسله!.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير