تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فاذكر بعد ذكر يحيى والمسيح، عليهما السلام، الخليل أبا الأنبياء، عليه السلام، و: "أل" في: "الكتاب": عهدية تشير إلى معهود بعينه هو الكتاب العزيز، أو هي من العام الذي أريد به الخاص، فيكون مجازا من هذا الوجه، إذ أطلق عموم الكتاب وأراد به خصوص سورة مريم، كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله، فيؤول الكلام إلى: واذكر في سورة مريم خبر الخليل عليه السلام، فهو من باب الكل الذي أريد به الجزء، ولا يلزم من ذلك إثبات مجاز إذ يصدق على كل آية في الكتاب العزيز أنها قرآن، فيقال للمخاطب: هل معك من القرآن شيء؟، وفي حديث سهل بن سعد، رضي الله عنه، في الواهبة نفسها للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "قد زوجتكها بما معك من القرآن". فأطلق على ما معه قرآنا، وإن لم يكن كل القرآن المسطور بين الدفتين، فلم يكن القرآن قد اكتمل نزوله آنذاك، ولم يكن ذلك الخاطب حافظا لكل ما نزل، ومع ذلك سمي ما معه قرآنا، دون الحاجة إلى القول بأن في الكلام مجازا، إذ أراد أن معه بعضه، وقد فهم المخاطب ذلك بداهة دون حاجة إلى القول بعلاقة أو قرينة تصرف العموم إلى الخصوص، أو الكل إلى الجزء، فزوجه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بما معه من جنس القرآن، فيصدق ذلك على ما يحفظه، وإن لم يكن كل ما نزل آنذاك، كما تقدم، فتكون: "من": بيانية جنسية، أو زوجه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ببعض القرآن وهو ما يحفظه منه، فلا تخلو: "من" في هذا السياق من معنى التبعيض، وتوارد المعنيين على: "من" لا يمتنع فهي مئنة من التبعيض، والبعض لا يكون إلا من جنس الشيء المبعض، وهذا دليل لمن قال بأن كلام الله، عز وجل، يتبعض، فليس معنى واحدا قائما بذاته، عز وجل، كما ذهب إلى ذلك المتكلمون الذين غلبوا جانب المعنى على جانب اللفظ في الكلام، والصحيح أنه معنى ولفظ معا، متعلقا بمشيئة الله، عز وجل، فتكلم بما شاء متى شاء، ولازم ذلك تعدد كلامه بتعدد مشيئته، جل وعلا، إحداث آحاده، فتكلم بنصوص التوراة، ثم تكلم بنصوص الإنجيل، فذلك كلام ثان غير الأول، يباينه معنى ولفظا، ثم تكلم بالكتاب العزيز، فسمعه الروح الأمين، من رب العالمين، ثم نزل به على قلب خاتم المرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فتعدد كلامه، جل وعلا، على الوجه اللائق بجلاله، بتعدد نزول الملك بالوحي، فكان ينزل بالسورة، تارة، وبالآيات أخرى، وربما نزل بآية، بل ربما نزل ببعض آية، كما نزل بقوله تعالى: (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ)، كما في حديث زيد بن ثابت، رضي الله عنه، فذلك مئنة من تبعضه، وتعدد معانيه وألفاظه، فليس معنى التوراة هو معنى الإنجيل، وليس معنى كليهما هو معنى الكتاب العزيز، بل معاني الكتاب العزيز تتعدد فليس الخبر كالإنشاء، وليس الخبر في نفسه واحدا بل منه ما هو خبر عن الرب، جل وعلا، فهو أشرف أجناس الأخبار، ومنه ما هو خبر عن عباده سواء أكانوا من حزب الرسالات، ففيه خبر الأنبياء، عليهم السلام، وخبر أتباعهم، وما كان من الله، عز وجل، من نصرتهم وإعلاء كلمتهم فأعزهم باتباع الوحي، أم كانوا من حزب أعداء الرسالات ففيه خبر المكذبين والجاحدين، وما كان، منه، عز وجل، من دحرهم وإذلالهم وإهانتهم بمخالفة الوحي، وتلك أعظم إهانة لو تدبروا فـ: (مَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ)، فلا عز إلا في اتباع الرسالات تصديقا وامتثالا، ومنه ما هو خبر عما هو آت سواء من الأحداث الأرضية كأشراط الساعة، أو الأحداث الأخروية كأمور البعث والحشر والعرض والصراط والميزان والجنة والنار .... إلخ من الغيبيات السمعية التي لا تتلقى بالقبول إلا من طريق النبوات، والإنشاء كذلك يتعدد فمنه الأمر ومنه النهي، بل تتعدد دلالاتهما من إيجاب أو نهي، أو ندب أو كراهة، كما قرر البلاغيون والأصوليون، وفيه الاستفهام، وأغراضه أيضا تتعدد فمن إنكار بتوبيخ أو إبطال، ونفي، وتعجب، وأمر ...... إلخ، وفيه الوعد متعلق صفات جمال الرب، جل وعلا، والوعيد متعلق صفات جلاله ..... إلخ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير