تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والشاهد أن تعدد معاني الكتاب العزيز وتعدد الألفاظ الدلة عليها فاللفظ قالب المعنى مئنة من تبعض الكتاب العزيز إلى سور وآيات تتباين معانيها وألفاظها، فلكل سياق معنى ولفظ دال عليه، ولكل سياق قرائن تعين المراد منه، وتبعضه يلزم منه، كما تقدم، تباينه، فكان متفاضلا من هذا الوجه، فهو باعتبار من تكلم به: مستو في الفضل فقد تكلم به الرب، جل وعلا، على الوجه اللائق بجلاله، فلا يتصور التفاضل من هذا الوجه، إذ يصح ذلك لو تعدد المتكلمون، وإنما ينسب الكلام إلى من نطق به، فنسبته إليه: نسبة إنشاء، بخلاف نسبته إلى جبريل والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهي نسبة إبلاغ، فالقول، كما تقدم، إنما ينسب إلى أول من تكلم به، والقرآن أول ما بدا: بدا من الرب، جل وعلا، بدو الصفة من الموصوف على وجه يليق بذات الرب المعبود، جل وعلا، فهو قد بلغ الغاية من الفضل والشرف من هذا الوجه فلا يتفاضل من هذا الوجه، وأما باعتبار معانيه التي تدل عليها مبانيه، فكل كلام يتفاضل من هذا الوجه، فكل يدرك الفارق بين المدح والذم، فجنس الأول محبوب لكل سامع، وجنس الثاني مذموم، فكذلك كلام الرب، جل وعلا، وله المثل الأعلى، فليس الكلام عن ذاته القدسية وصفاته العلية كالكلام عن آحاد خلقه، ولو كانوا أشرف البشر من الرسل عليهم السلام، فالأول أفضل باعتبار المعنى، وليس الكلام عن الرسل، عليهم السلام، وهم أفضل البرية، كالكلام عن أعدائهم، فالأول، أيضا، أفضل باعتبار المعنى، بل التفاضل كائن في الكلام عن الرسل عليهم السلام مع اشتراكهم في وصف الرسالة الذي به نالوا تلك الرتبة العلية، فليس الكلام عن سائر الرسل كالكلام عن أولي العزم، عليهم السلام، وليس الكلام عنهم كالكلام عن خاتمهم وأشرفهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهو أشرف مخلوق، والكلام عنه أشرف كلام تعلق بمخلوق فلا يدانيه في الفضل أي كلام عن مخلوق آخر، وإن بلغ من الفضل والشرف ما بلغ، فليس يعلوه في الشرف إلا الكلام عن الخالق، عز وجل، فذلك جنس آخر، لا يصل إليه أي مخلوق مهما بلغ من الشرف، وإنما أوصل الغلاة في أهل الفضل من أصحاب الرتبة العلية من نبوة وإمامة وولاية، أوصلوا من غلوا فيه إلى تلك الرتبة زورا وبهتانا، فغلوا في حق المخلوق وجفوا في حق الخالق، عز وجل، وعطلوا الرب، جل وعلا، عن كماله بنسبته إلى غيره، وعطلوا الرسل عليهم السلام عن مرتبة العبودية أشرف المراتب البشرية، ونسبوا إليهم ما لا يليق في حق البشر، بل هو لو تدبروا، عين النقص، بل أفحشه، فليس أفحش في حق المخلوق من ادعاء ما ليس له من صفات الخالق، عز وجل، وبذلك نال فرعون ما نال من الذم إذ ادعى ما ليس له من أوصاف الربوبية فالألوهية لزوما، فكيف صح ادعاء محبة الرسل عليهم السلام مع إنزالهم بلازم الغلو فيهم منزلة فرعون؟!، وهل ذلك إلا من قلة العقل، وعظم التعصب والجهل، وهي سمات أساسية في كل محدث في الديانة غال في أهل الفضل بالإطراء بالكذب والزور الذي لا مستند له من نقل أو عقل.

والشاهد أن كلامه، عز وجل، يتبعض ويتفاضل من هذا الوجه، مع كونه كله، كتابا وقرآنا، فيكون ذكر إبراهيم عليه السلام إما في الكتاب العزيز، أو في سورة من سوره، يكون ذكره، على كلا الوجهين حقيقة، فالسورة من الكتاب، فهي كتاب بهذا الاعتبار، ولو لم تكن كل آيات الكتاب كما تقدم.

ولفظ الكتاب من وجه آخر: يجري مجرى المشترك اللفظي، لتعدد دلالاته على كتب متباينة، فتكون: "أل" فيه عهدية، فمادة الكتب مادة كلية تدل على مطلق الجمع فكتب الحروف جمعها لتصير كلمات، وكتب الآيات جمعها لتصير سورا، وكتب السور جمعها لتصير قرآنا، وكتب الأبدان جمعها لتصير كتائب ...... إلخ، فذلك المعنى الكلي المطلق الذي يقيد في الخارج فتتعدد دلالاته فيأتي ويراد به:

الكتاب العزيز كما في هذا السياق.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير