تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أو الإنجيل، فهو الكتاب الثاني، ولذلك أطلق لفظ: "أهل الكتاب" على النصارى من جهة كونهم أصحاب رسالة لها كتاب هو الإنجيل على جهة التعيين، فذلك وجه العهد في: "أل" في: "الكتاب" إن حمل على الإنجيل لقرينة سياق أو حال كما في قوله تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ)، فقرينة السياق بذكر الغلاة في المسيح عليه السلام مئنة من إرادة النصارى دون غيرهم فلم يغل في المسيح، عليه السلام، إلا هم، وكتابهم هو الإنجيل.

أو التوراة، كما في قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ).

فقرينة سبب النزول دالة على إرادة يهود، وكتابهم: "التوارة" فتكون: "أل" عهدية تشير إليه دون سائر الكتب المنزلة لقرينة السمع المرجحة، فأسباب النزول مما لا يعرف إلا بالنقل.

أو اللوح المحفوظ، كما قيل في قوله تعالى: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ): فهو إما أن يحمل، كما أشار إلى ذلك القرطبي رحمه الله، على الكتاب العزيز فيكون المراد ما فرطنا فيه من الأخبار والأحكام الشرعية مما به صلاح الدين والدنيا من شيء، وإما أن يحمل على اللوح المحفوظ فيكون المراد ما فرطنا فيه من شيء من الأحداث الكونية فقد علمها الرب، جل وعلا، أزلا، ثم سطرها على جهة الجزم والإبرام في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.

ومثله ما قيل في نحو قوله تعالى: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ)، فإما أن ينالهم، كما ذكر صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، نصيبهم من الوعيد المسطور في الكتاب العزيز في الدنيا بالإهلاك وفي الآخرة بأشد العذاب، وإما أن ينالهم نصيبهم من العذاب، أيضا، ولكن على ما قد علم الرب، جل وعلا، أزلا، وسطر، كما تقدم في اللوح المحفوظ، فلا راد لحكمه الكوني ولا معقب لكلماته النافذة، فيكون الكتاب هو الكتاب الذي سطر فيه القدر الكوني وهو: اللوح المحفوظ.

وإما أن يراد به فعل الكتابة نفسه، وهو ما امتن به الرب، جل وعلا، على المسيح عليه السلام بقوله: (وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ)، فعلى أحد الأوجه، كما أشار إلى ذلك بعض أهل العلم كأبي السعود والألوسي رحمهما الله، يحمل ذلك على جنس الكتب المنزلة، فقد علم المسيح عليه السلام ما فيها، من معاني التوحيد والنبوة، ثم خصت التوراة والإنجيل بالذكر فذلك من الخصوص بعد العموم، إطنابا في تقرير المنة في معرض بيان عناية الرب، جل وعلا، برسله عليهم السلام، فالملك في عالم الشهادة يعتني بتعليم وتثقيف أولاده، ولله المثل الأعلى، فلا ولد له، وإنما يصنع، عز وجل، رسله، عليهم السلام، على عينه، فيعلمهم من أجناس الحكمة ما ينزل به الروح الأمين من الوحي المعصوم على قلوبهم فهو أشرف وأجل العلوم، فتكون المنة بتعليمه أعظم وأظهر، فلا علم يداني علوم النبوات، بل كل العلوم في الشرف بعدها آتية، وفي النبوات أصول العلوم الشرعية والعقلية والكونية وإن لم تفصل دقائق المسائل إلا في مواضع، فعنايتها بتقرير الكليات في أمور الأخبار والأحكام الشرعية لا دقائق علوم الكون التي تعلم بالتجربة والبحث.

وعلى وجه آخر يحمل على فعل الخط والكتابة، وقد حكاه بعض المفسرين بصيغة التضعيف: "وقيل"، إذ فيه وجه منة، ولكن لا خصوص للأنبياء عليهم السلام، به، فكثير غيرهم قد تعلم الخط، بل كان خاتمهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم أميا لا يقرأ ولا يكتب، وما شانه ذلك، بلا زانه، فهو من أظهر الأدلة على صدق رسالته، فقد أتى بأجناس من العلوم الشرعية والكونية لا زالت العقول إلى يوم الناس هذا تدرك منها أشياء كانت عنها خفية. (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير