تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الرد، فيخضع الوحي المطرد لقياسه المضطرب، فما استحسنه قبله، وما استقبحه رده، وليس ذلك مذهب أهل الحق الذين خضعت عقولهم وقلوبهم للوحي فلا يعارضونه برأي فلسفي أو ذوق وجداني.

فمناط النجاة في هذا الشأن: النبوات الحاكمة على العقول برسم الوحي المعصوم، فالسلامة في اتباعه والتسليم لخبره تصديقا وحكمه امتثالا، فلا أصدق من خبره ولا أعدل من حكمه.

يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا: فتلطف مع أبيه مع عظم جرمه، وذلك ما نفتقده في حياتنا الآن، فقد جاءه من علم النبوات ما لم يأت أبيه، فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فجاءه من خبر وصف الرب ذي الجلال والإكرام، وجاءه من أحكامه ما يستقيم به أمر البرية في الحال والمآل، فالإنصاف يقتضي النظر في ذلك، لعله خير مما هو عليه، وذلك ما تحلى به أسيد بن حضير، رضي الله عنه، فأسلم، كما في قصة إسلامه المعروفة، وفيها سيره إلى أسعد بن زرارة ومصعب، رضي الله عنهما، برسم التهديد، فـ: ما جاء بكما إلينا تسفّهان ضعفاءنا، اعتزلانا إن كان لكما بأنفسكما حاجة، فقال له مصعب: أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمراً قبلته، وإن كرهته كفّفنا عنك ما تكره، قال: أنصفت، ثم ركّز حرته وجلس إليهما، فكلّمه مصعب بالإسلام، وقرأ عليه القرآن، فقالا فما بلغنا: والله لعرفنا في وجهه الإسلام، قبل أن يتكلّم في إشراقه وتسهّله.

فإذ كان الأمر كذلك: فاتبعني، فإن تتبعني أهدك، فانتقل إلى محط الفائدة بحذف الشرط المقدر فذلك أبلغ في تعيين المراد دون تطويل لا حاجة له، بل مقام الدعوة يقتضي الإيجاز في غير خلل.

يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا: فكل من عبد غير الله، عز وجل، فقد أطاع الشيطان في أعظم مسألة: مسألة الألوهية: محل النزاع بين إبليس وقبيله وآدم وذريته، وطاعته عبادة له، فتلك حقيقة العبادة، فلا يلزم من ذلك العبادة الصريحة كما وقع في زماننا! فتلك صورة لم تكن من أعداء النبوات، وكانت في زماننا ممن نشأ في أمصار قد ظهر فيها خبر النبوات عموما والنبوة الخاتمة خصوصا!.

يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا: فكرر النداء في معرض التلطف، وتنكير العذاب جار مجرى التعظيم في مقام الإرشاد والتحذير، وصدور العذاب من الرحمن، آكد في الزجر، بالتذكير برحماته، عز وجل، الكونية العامة: رحمات الرحمن، تبارك وتعالى، فكيف يكفر به من يتنعم برحماته ليل نهار؟!، فذلك كما تقدم توبيخ للجاحد للحق مع تمتعه بآثاره كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله، ففيه من إظهار شناعة هذا الجرم ما فيه.

قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آَلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا:

فاقتضى السياق سؤالا مقدرا، كما ذكر ذلك أبو السعود، رحمه الله، فـ: ماذا كان من آزر؟

فقال مستفهما في معرض الزجر بالإنكار والتوبيخ وذلك مئنة من عظم الإعراض عن الحق: أراغب أنت ........

ثم توعد مؤكدا بالقسم المحذوف: لئن لم تنته لأرجمنك: بالقتل أو الشتم، كما قال بعض أهل العلم، فلم يرد الرجم بمعنى الشتم والقذف إلا في هذا الموضع من الكتاب العزيز، ثم أمره على حد الزجر: واهجرني مليا.

فقال الخليل عليه السلام في معرض المفاصلة: سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا: وذلك ما نسخ في حق الخليل عليه السلام وحق من جاء بعده من المؤمنين كما دل على ذلك قوله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113) وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ)، فجاء النص على الحكم عاما في حق النبي والذين آمنوا معه، ثم خص الخليل، عليه السلام، بالذكر احترازا من

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير