تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الاعتراض بتلك الموعدة التي تبرأ منها الخليل، عليه السلام، لما تبينت له عداوة آزر للباري عز وجل.

وذيل بالعلة الدالة على كمال عنايته، عز وجل، بخليله، عليه السلام، فربه، جل وعلا، به حفي أي بليغ في البِرّ والإلطاف، كما ذكر ذلك أبو السعود، رحمه الله، فذلك آكد في إجابة الدعاء، ومع ذلك لم يستجب الرب، جل وعلا، دعاء الخليل عليه السلام، فحق الرب، جل وعلا، مقدم على كل حق، فهو مخصص لكل منة، ولذلك نهي عن الصلاة في المقابر حفظا لجناب التوحيد، أعظم حقوق الرب، جل وعلا، على العبيد، وإن كان ذلك مخصصا لعموم منة: "جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا".

وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا: فذلك على رسم اعتزال المنكر إن لم يستطع الإنسان إزالته، فاعتزل دعاءهم إلى دعاء الرب، جل وعلا، فخلى المحل من الشرك بدعوة آلهتهم، ثم حلاه بإفراده، جل وعلا، بالدعاء.

فلما تركهم عوضه الله، عز وجل، خيرا منهم، فمن ترك شيئًا لله عوضه الله بما هو خير له منه، ومعناه عند أحمد، رحمه الله، بلفظ: "إنك لا تدع شيئا اتقاء الله إلا أعطاك خيرا منه" كما ذكر ذلك صاحب "الدرر المنتثرة" رحمه الله، فاعتزلهم ابتغاء وجه ربه الأعلى، فحصل له من الأنس به ما حصل، ثم زيد في الثواب، فذلك من أعظم صور المنة الربانية على المنفرد عن المشركين بإفراد الرب، جل وعلا، بالإلهية:

فعوض من صحبة المشركين: ذرية من النبيين، فكل نبوة بعده قد صدرت من ابنيه: الذبيح وإسحاق عليهما السلام، وإمعانا في تقرير المنة: وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا: فلم تكن الهبة: ذرية فقط، بل ذرية رسمها أعظم صور الرحمات التي أضيفت إلى الضمير الدال على الفاعلين مئنة من التعظيم، فالنسبة إلى ضمير الجمع آكد في تقرير معنى التعظيم، ألا وهي: رحمة النبوات، ومن كمال العناية بهم: إبقاء ذكرهم، فذكرهم بالثناء مشتهر بين سائر أتباع الشرائع السماوية إلى يوم الناس هذا.

وما ثبت لهم من رفعة الذكر فهو ثابت لغيرهم من الأنبياء عليهم السلام بدلالة القياس المساوي وللنبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقياس الأولى، فهو خير المرسلين وخاتمهم، فبرسالته ختم الوحي واستقر الدين المقبول عند الرب، جل وعلا، ولعامة المؤمنين بقياس الأدنى، فلكل مؤمن من رفعة الذكر نصيب بقدر اتباعه للنبوات تصديقا وامتثالا، فما نيل مدح إلا باتباعها، وما استحق ذم إلا بمخالفتها، فهي معيار التفاضل بين البشر، فأتباع الأنبياء، عليهم السلام، ظاهرون في الأولى والآخرة، وإن ظهر عليهم عدوهم فتمحيصا، وإن ظهروا فتمكينا، وأعداؤهم مخذولون، فإن ظهروا حينا فاستدراجا وإملاء، وإن دحروا فعقابا وإهلاكا.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[21 - 03 - 2010, 08:05 ص]ـ

ومن قوله تعالى:

وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا: فذلك جار على ما اطرد من العناية بذكر طرف من أنباء الرسل عليهم السلام، فاذكر موسى الكليم، عليه السلام، فرسمه الإخلاص، وهو محمول هنا على الرسالة لقرينة السياق، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فقد عطف على وصف الإخلاص، وصف الرسالة والنبوة، فكان العطف، على هذا التأويل من باب عطف المبين على المجمل، فالإخلاص معنى كلي عام خص منه وصف الرسالة، على التفصيل المتقدم، فجنس الرسالة معدن الإخلاص، فإن نسبة الخبر إلى الرب، جل وعلا، لا تكون إلا من أصدق الصادقين، أو أكذب الكاذبين فلا يشتبه أمرهما على أحد، فالكليم عليه السلام من أولي العزم الذين لا يتصور في حقهم الكذب على آحاد البشر فكيف برب البشر، وذلك مما استدل به هرقل على نبوته صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلم يكن صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليدع الكذب على البشر ويكذب على رب البشر عز وجل.

يقول شارح الطحاوية رحمه الله:

"فَمَنْ عَرَفَ الرَّسُولَ وَصِدْقَهُ وَوَفَاءَهُ وَمُطَابَقَةَ قَوْلِهِ لِعَمَلِهِ عَلِمَ عِلْمًا يَقِينًا أَنَّهُ لَيْسَ بِشَاعِرٍ وَلَا كَاهِنٍ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير