تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فذلك من الجمع البديع بين آيات الكتاب العزيز بحمل مجملها على مبينها، وهو ما اطرد في صنيع ابن خزيمة، رحمه الله، في الجمع بين النصوص، فهو إمام في هذا الشأن، وهو جار، على ما سبقت الإشارة إليه مرارا، من تفسير آيات الكتاب العزيز بآياته، فذلك أول ما يلجأ إليه المفسر فالمتكلم أعلم بمراده، فتفسير كلامه بكلامه أولى من تفسير كلامه بكلام غيره.

فكلمه، عز وجل، بالعبرية، كما تقدم، وحكى مقالته بلغة التنزيل الذي تكلم بها بآيات التنزيل الخاتم، وهو مما استدل به أهل العلم على جواز رواية الحديث بالمعنى، فقد ذكرت الآيات معنى الكلام دون لفظه، فلفظه كما تقدم غير عربي.

وتعدد مواضع الكلام: نداء من بعد، ومناجاة من قرب: أبلغ في تقرير المنة الربانية فعنايته، عز وجل، بالكليم قد تعددت صورها، ومن ذلك:

وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا: فأضيف فعل الهبة إلى ضمير الجمع في سياق الامتنان، فالتعظيم يلائم هذا السياق، وكذلك الحال في الإضافة في: "رحمتنا"، وهي محمولة على النبوة بقرينة التذييل بنبوة هارون عليه السلام فهي من أعظم صور العناية بالكليم عليه السلام إذ امتن الرب، جل وعلا، عليه ببعث أخيه معه عضدا له يشد من أزره ويشركه في أمره.

فأضيفت الرحمة إلى الرب، جل وعلا، باعتبار أثرها المخلوق لا الوصف القائم بذات الرب المعبود، جل وعلا، فتلك رحمة النبوة، فرحمة النبوة إذا نظر إليها من جهة شخص النبي، فهي مخلوقة من هذا الوجه، فإن ذاته مخلوقة، وعلمه القائم بها مخلوق، فهو مخلوق كله: ذاتا وصفات، وإن نظر إليها باعتبار نصوص الوحي التي تكلم بها الرب، جل وعلا، على الوجه اللائق بجلاله، فنزل بها الرسول الملكي على قلب الرسول البشري، فهي من هذا الوجه: غير مخلوقة فكلمات الرب، جل وعلا، الشرعية، غير مخلوقة، إذ هي وصف من أوصاف ذاته القدسية، والصفة تتبع موصوفها كما سبقت الإشارة إلى ذلك في مواضع سابقة.

فتكون الإضافة هنا من النوع الذي يحتمل بتعدد جهة الإضافة: تعدد المعنى، فيكون مخلوقا إن نظر إلى أثره في عالم الشهادة، ويكون غير مخلوق إن نظر إلى كونه قائما بذات الرب، جل وعلا، فهو الصفة التي صدر عنها الأثر المخلوق في عالم الشهادة.

وفي الإتيان بلفظ: "الأخ" قبل النبوة مزيد عناية بالكليم عليه السلام فقد حصل له التأييد باعتبار أخوة النسب، وأخوة الرسالة، فاجتمعت في حقه الأخوة العامة أخوة: "الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ"، والأخوة الخاصة: أخوة النسب.

ومجيء الرحمة بمعنى النبوة قد ورد في مواضع من التنزيل، وبه استدل على نبوة الخضر عليه السلام، بحمل الرحمة في قوله تعالى: (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا) على: رحمة النبوة، كما أشار إلى ذلك صاحب "الأضواء"، رحمه الله، بقوله: "اعلم .... - أن الرحمة تكرر إطلاقها على النبوة في القرآن .............. فمن إطلاق الرحمة على النبوة قوله تعالى في «الزخرف»: {وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ} [الزخرف: 31 - 32] الآية. أي نبوته حتى يتحكموا في إنزال القرآن على رجل عظيم من القريتين. وقوله تعالى في سورة «الدخان»: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 4] {أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَآ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} [الدخان: 5 - 6] الآية، وقوله تعالى في آخر «القصص» {وَمَا كُنتَ ترجوا أَن يلقى إِلَيْكَ الكتاب إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} [القصص: 86] الآية". اهـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير