تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[22 - 03 - 2010, 08:49 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (89) قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91) قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ):

فتلك أيضا من صور العناية الخاصة بالأنبياء عليهم السلام وبواحد منهم على وجه الخصوص هو يوسف الصديق عليه السلام.

فاستعمل الاستفهام في معنى التوبيخ والتقريع، على تقديره بـ: "قد" التحقيقية التي تفيد تحقق وقوع ما بعدها، وذلك أليق بمقام اللوم، إذ فيه تقرير الجاني بجنايته، فقد علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه، و: "إذ" ظرفية، فذلك فعلكم زمن جهلكم، وفيه نوع اعتذار عنهم، فما فعلوه إلا حال جهل، فكل من عصى الله فهو جاهل، كما أثر عن أبي العالية، رحمه الله، وهو مظنة الغفلة فوسوس لهم الشيطان فهو لا يأتي الإنسان إلا إذا غفل عن ذكر الرحمن، فـ: (مَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ)، والجهل مع ذلك مظنة ظلم الإنسان نفسه وغيره، فقد ظلموا أنفسهم بالمعصية، وظلموا يوسف وبنيامين، وإن نال يوسف عليه السلام من ظلمهم ما لم ينل بنيامين، وذلك من الحسد الذي يحمل الحاسد على ظلم المحسود لا محالة، فإما أن يظلمه بتمني زوال النعمة عنه، فيناله منه الأذى وإن لم يظهر ذلك بقول أو فعل، وقلما يكون ذلك، إذ الباطن لا بد أن يرى أثره على الظاهر ولو على فلتات اللسان وخلجات الأركان كما أثر ذلك عن عثمان رضي الله عنه، فالغالب أن الحاسد يحتال لإيصال الأذي القولي أو الفعلي إلى المحسود، كما احتال إخوة يوسف حتى أخرجوه وألقوه في الجب، وكل ذلك من الظلم بمكان، وتحتمل معنى التعليل، فقد فعلوا ما فعلوا لأنهم جاهلون، فـ: "إذ" تأتي للتعليل، كما أشار إلى ذلك صاحب "مغني اللبيب" رحمه الله، بقوله: "والثالث، (أي من استعمالات "إذ"): أن تكون للتعليل، نحو: (ولن ينفعكم اليومَ إذْ ظلمتُم أنكم في العذابِ مُشتركون) أي: ولن ينفعكم اليوم اشتراككم في العذاب؛ لأجل ظلمكم في الدنيا". اهـ

ولا مانع من الجمع بين القولين فالسياق يحتملهما ولا يعارض أحدهما الآخر، فقد فعلوه زمن غفلة، لأنهم جهلوا عاقبة الذنب، وجهلوا قدر الرب، جل وعلا، وإن استحضروا نية التوبة قبل مباشرة الذنب، فغفلوا عن مقام المراقبة للرب، جل وعلا، فلو استحضروا معيته بعلمه المحيط ما أقدموا على الذنب، وذلك أمر يعم كل عاص، فإن المعصية، لا سيما معصية السر، لا تكون إلا حال غفلة عن مقام الإحسان، فلا يستحضر العبد اطلاع الرب، جل وعلا، عليه، فهو يراه ظاهرا، بل ويعلم ما جال في باطنه من الخواطر فيعلم الجهر وما يخفى.

قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ: فذلك مقام تعجب يلائمه التوكيد بإن واللام وضمير الفصل، فأجاب الصديق عليه السلام: قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي: فذلك، كما يقول صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، تعجب آخر استعمل فيه عليه السلام الخبر: هذا أخي، فتعجب كيف جمع الله، عز وجل، بينهما بعد طول الفرقة، فجاء بيان هذا التعجب الذي أجمل في الخبر، بقوله: قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا: فذلك من أظهر أدلة عنايته، عز وجل، برسله عليهم السلام، فخبر يوسف عليه السلام وإخوته، وما كان من محنة عظيمة عالج فيها يوسف عليه السلام صنوفا من الاضطهاد والابتلاء فمن الجب إلى السجن، ثم جاءت المنحة بالتمكين في الأرض، فعقيب المحنة لمن صبر: المنحة، فما يلقاها إلا الذين صبروا، فامتن الله، عز وجل، عليه بإظهار براءته وخروجه من السجن سالم العرض نقي الثوب، بل وصيره على خزائن مصر، وكانت آنذاك أغنى دولة في العالم!، بل وقاد إليه إخوته، فكان ما كان من لقائه بهم، ثم إرساله لأبيه وأمه، ثم سجودهم له سجود التكريم لشخصه الكريم فذلك تأويل رؤياه قد جعلها ربه، عز وجل،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير