تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ: على جهة القصر بتعريف الجزأين فتلك من الولاية الخاصة، وهو محمول على الخبر بالنظر إلى أمر الدنيا، ويحتمل الإنشاء على تقدير: كن وليي في الدنيا والآخرة، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فيكون ذلك أليق باعتبار ما تلاه من الإنشاء الصريح بالدعاء فالأصل أن يجري الكلام على سياق واحد كما أن الأصل في التعاطف التماثل، فيتبع الخبر بالخبر، والإنشاء بالإنشاء، كما يعطف كلٌ على مثيله، وهذا الدعاء من وجه آخر يجري مجرى قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ)، على تأويله بالأمر بالمداومة، فكذلك يوسف الصديق، عليه السلام، فهو ولي للرب، جل وعلا، بداهة، فيكون دعاؤه من طلب الدوام على هذا الوصف المحمود حتى يلقى الله، عز وجل، عليه ويرجحه التعقيب بالدعاء بالوفاة على الإسلام العام: دين الرسل عليهم السلام، ومع كونه معصوما بالرسالة إلا أنه لكمال علمه بجلال الرب، جل وعلا، يدعو بدوام الولاية وذلك دال لزوما على طلب السلامة مما يعارضها من محبطات الأعمال، مع أنه، كما تقدم، معصوم منها، فيكون ذلك من جنس الاستغفار الوقائي الذي دوام النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم عليه، كما في حديث الْأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ، رضي الله عنه، مرفوعا: "إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ"، فيحترز من الذنب وإن لم يقع بدفعه وإن كان خاطرة لم تصر هما فضلا عن صيروتها قولا أو فعلا وجوديا يتعلق به الثواب أو العقاب.

تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ: فذلك دعاء المسألة عقيب دعاء الثناء، فأثنى على الرب، جل وعلا، بما هو أهله من أوصاف الربوبية الخاصة له بالعناية به إذ آتاه الملك، وآتاه العلم بتأويل الرؤى، ثم ثنى بدعاء المسألة: توفني مسلما، فالحال هنا: مؤسسة فهي عمدة لا يستغنى عنها لبيان المعنى وإن تم اللفظ بدونها، فليس الشأن: شأن الوفاة، فكل ميت، وإنما الشأن حسن الخاتمة بالموافاة على الإسلام والإلحاق بالصالحين. فقدم بأوصاف الربوبية ثناء ثم ثنى بذكر لازمها من إفراده، عز وجل، بالتأله بطلب الاستسلام والخضوع له، وحده، فذلك جار على ما تقدم مرارا من التلازم الوثيق بين الربوبية بفعل الرب، جل وعلا، والألوهية بفعل العبد.

والشاهد أن هذه الآيات هي تتبع لما اطرد في آي الكتاب العزيز من تمام العناية بالرسل عليهم السلام، فهم أولى الناس بصور التأييد والعناية الربانية، لعظم شأنهم وعموم مقالهم فهو دين تنتحله الألوف بل الأمم ذوات العدد، فاقتضت حكمته، عز وجل، أن ينصرهم ويبقي آثارهم في الأرض، فلا تستقيم الحياة إلا بها، فلولاهم ما عبد الرب، جل وعلا، ولولاهم ما صلح الكون، ولولاهم ما عرف الخلق باريهم، جل وعلا، ولولاهم ما نجا ناج يوم العرض، فهم، كما تقدم، مرارا، أعظم رزق أرسله الرب، جل وعلا، إلى أهل الأرض، فرسالاتهم معدن الأمن. وانتحال التوحيد، جوهر رسالتهم هو معدن السلامة في الأولى والآخرة: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ).

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[23 - 03 - 2010, 07:56 ص]ـ

ومن ذلك أيضا:

قوله تعالى: (وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ): فنادى في مقام الدعاء انتصارا لنفسه بالإنجاء، وجاء بيانه في قوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا وَقَالُواْ مَجْنُونٌ وازدجر فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فانتصر فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ السمآء بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ}، ففاء التعقيب مئنة من الفورية فجاءت الإجابة عقيب الدعاء وذلك مئنة من كمال العناية بنوح، عليه السلام، فجاء فتح أبواب السماء، بماء المطر المنهمر، وأضيف الفعل في معرض الانتصار للرسل عليهم السلام من أقوامهم، إلى ضمير الفاعلين فذلك أليق بموضع الإنجاء للرسل عليهم السلام والإهلاك لأقوامهم فهو موضع جمال بالنسبة للرسل فناسبه التعظيم فهو مئنة، كما تقدم، من كمال

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير