تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

العناية بهم، وهو في نفس الوقت: موضع جلال بإهلاك أعداء الرسالات، فذلك، أيضا، مما يناسبه التعظيم، وكذلك القول في آية الأنبياء فمقام الاستجابة والإنجاء، من مقامات العناية بالرسل، فيناسبها، أيضا، التعظيم، وقد جاء فعل الإنجاء مضعفا فزيادة مبناه مئنة من زيادة معناه كما اطرد في مثل هذه المواضع، كقوله تعالى في مقام الامتنان على بني إسرائيل: (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ)، فجاء الفعل مضعفا إشارة إلى ما جرى لهم تحت سلطان فرعون من العذاب الذي تكرر طيلة سنين الاستعباد، بخلاف إنجاءهم في آخر المطاف كرامة للكليم عليه السلام: (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ)، فإن إنجاءهم بإغراق فرعون قد وقع مرة واحدة لا غير فناسبه من جهة التكرار: المبنى الأقل إشارة إلى المعنى الأقل من جهة تكراره وإلا فهو أعظم معنى من جهة إعجازه فهو من الآيات الكونيات الباهرة التي نصر الله، عز وجل، بها كليمه عليه السلام.

فما تقدم بيان ندائه عليه السلام في معرض الانتصار لنفسه، وأما بيان ندائه في معرض الانتصار من قومه فقد جاء في نحو قوله تعالى: {وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّاراً إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يلدوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً} [نوح: 26 - 27]، فهذان بيانان لمجمل النداء في آية الأنبياء، كما أشار إلى ذلك صاحب "الأضواء" رحمه الله، على ما اطرد من طريقته البديعة في بيان مجمل التنزيل بالتنزيل كما سبقت الإشارة إلى ذلك مرارا فهو مئنة من كمال استقراء المصنف، رحمه الله، للكتاب العزيز، واستحضاره لآياته ومعانيها على وجه حصل به ذلك الفضل الكبير من الرب، جل وعلا، عليه بتصنيف هذا السفر العظيم.

واكتملت المنة الربانية بإنجاء أهله معه، فالمضاف إلى الضمير من صيغ العموم فنجوا جميعا، إلا ابنه الذي آوى إلى الجبل لما فسد تصوره بعناده فظن أن الجبل المخلوق يعصمه من عذاب الخالق، عز وجل، فـ: (لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ)، فلا معصوم على القول بتبادل الصيغ، كما ذكر البلاغيون في هذا الموضع، فنفي العاصم نفي للمعصوم من باب أولى، فنفى السبب المنجي إمعانا في نفي المسبَّب، وهو من يباشر سبب النجاة لينجو، فإذا كان لا سبب منج فلا ناج بداهة، وعلى هذا القول يستند نافي مجاز التعلق الاشتقاقي في هذا الموضع، إذ نفي السبب وإرادة انتفاء ما يترتب عليه مما استعملته العرب في لسانها فلا حاجة إلى تكلف المجاز، وذلك جار على ما تقدم مرارا من استناد من نفى المجاز على هذا المستند فيرد كل تركيب إلى لسان العرب دون نظر إلى دلالات الألفاظ المعجمية فما تكلمت به العرب وجرت به ألسنتها فهو حقيقة وإن جاء على خلاف الدلالات المعجمية للألفاظ المفردة فإنه يستفاد من التركيب ما لا يستفاد من الإفراد، فقد تستعمل الألفاظ في غير ما وضعت له معجميا، قد تستعمل في تركيب تكون دلالته على معناه بمقتضى لسان العرب: دلالة حقيقية لا مجازية، والشاهد أن ذلك آكد في بيان عموم ونفاذ الأمر الكوني بالعذاب، فالأمر في الآية كوني بداهة بقرينة عدم التخلف، فإن الأمر الكوني نافذ لا محالة فلا يتخلف ولا يتبدل بخلاف الأمر الشرعي الذي يقبل المعارضة والتحريف ولا يكون ذلك، كما تقدم مرارا، إلا بالأمر الكوني، فما أطاع طائع إلا بأمره الكوني، جل وعلا، فذلك من فضله، وما عصى عاص إلا بأمره الكوني، جل وعلا، أيضا، فذلك من عدله، فالعباد دائرون بين الفضل والعدل.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير