تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والشاهد أن هذا العموم قد خص بالنفي في قوله تعالى: (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ)، فذلك من التخصيص المنفصل، كما قرر الأصوليون، فجاء التخصيص في موضع آخر من التنزيل، فهو، أيضا، بمنزلة البيان لمجمل العموم في هذه الآية، فدلالة العموم ظنية ورد عليها المخصص فدلالته قطعية، والقطعي يقضي على الظني، كما اطرد في كلام الأصوليين، فهو، أيضا، جار على طريقة صاحب "الأضواء" رحمه الله في تفسير مجمل القرآن بمبينه.

فانقطع نسب الدم واتصل نسب الإيمان، فنجا مع نوح عليه السلام، أهله في الإيمان، وهلك ابنه في الدم، كما نجا بلال وسلمان، رضي الله عنهما، وهلك أبو لهب، مع عظم صلة الدم بينه وبين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلا نسب بين الله، عز وجل، وعباده إلا نسب الطاعة، فمن أطاع نجا وإن لم يكن شريفا بقياس أهل الدنيا فهو بطاعته شريف عند الرب، جل وعلا، ومن عصى هلك وإن كان شريفا بقياس أهل الدنيا فهو بمعصيته وضيع عند الرب، جل وعلا، ولا يرد على ذلك أن المنة لا تكتمل إلا بالعموم، فتخصيصها نوع تنغيص لا يلائم سياق العناية بالرسل، عليهم السلام، فإن المنة، كما تقدم في أكثر من موضع، تخصص لحق الرب، جل وعلا، ولا أعظم من حق التوحيد، فهو أعظم حقوق الرب، جل وعلا، على العبيد، فلما أشرك ابنه، خص من عموم المنة بالإنجاء وهلك مع من هلك، فالسنة الكونية والشرعية مطردة فلا نجاة إلا للرسل عليهم السلام وأتباعهم من المؤمنين، وإن لم يكونوا أقرباءهم، ولا هلاك إلا لأعداء الرسالات وإن كانوا أبناء الرسل، عليهم السلام، وأزواجهم، فإن زوج نوح قد استثنيت هي الأخرى من هذا العموم، كما في قوله تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ)، فذلك مخصص منفصل ثان ورد على العام المخصوص أولا بإهلاك ابنه، فخرج هذان الفردان من العموم لتخلف الوصف المنجي فيهما وهو وصف الإيمان، وبقي العموم في شأن غيرهما محفوظا. فحق الرب، جل وعلا، كما تقدم، عظيم، فلا مجاملة فيه ولو لنبي كريم من أولي العزم عليهم السلام.

وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ:

فذلك إطناب في صور العناية بنوح، عليه السلام، وذلك آكد في تقرير المنة الربانية عليه، فنصر، وذلك موعود الرب، جل وعلا، كما تقدم مرارا من قوله تعالى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)، فالفعل قد استتر فيه ضمير الفاعلين تعظيما يقتضيه السياق وأضيف الرسل إلى باعثهم، عز وجل، عناية بشأنهم، وعطف عليهم الذين آمنوا، فعله إنجاءهم معنى الإيمان، ولذلك جاء التعريف بالموصول تنبيها على علة الحكم، كما تقدم من انقطاع الأنساب إلا نسب الطاعة لرب الأرباب، جل وعلا، واستوعب التذييل ظرفي: الدنيا والآخرة، فذلك، أيضا، آكد في بيان المنة بعموم النصرة في الدارين، فضلا عن كونه احترازا مما قد يظن من ظهور أعداء الرسالات على أتباعها، في الحياة الدنيا، كما يظهر في زمن الهزائم، كزماننا، فيظن المقهور في لحظات الانكسار أن الرسالة قد دحرت، مع أن ظهور أعدائها عليها ظهور مؤقت لتمحيص قلوب أتباعها، ولكن الشدة مظنة ضعف النفس وسوء الظن بالرب، جل وعلا، وما أتي أتباع الرسالات، لو تدبروا إلا من قبل أنفسهم فسلط الله، عز وجل، عليهم أعدائهم، كما سلط أحقر البشر على الأمة الخاتمة في بيت المقدس خصوصا، وفي سائر أرجاء الأرض عموما، فهم يكيدون للموحدين ليل نهار في كل الأعصار والأمصار، لا سيما في زماننا، فجماعات الضغط الصهيونية تلعب دورا كبيرا في تأليب قوى النصارى الظاهرة في زماننا، فتحرضهم على غزو ديار الإسلام، كما جرى في العراق، فإن غزوها أخذ لثأر قديم من أهلها الذين سبوا بني إسرائيل زمن ملوك بابل، فتؤلب القوى الظالمة لا سيما القوة الأمريكية

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير