تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الغاشمة التي تمارس حق القوة في قهر من يخالفها: دينا أو فكرا أو سياسة، فهي تسعى إلى فرض تصورها المشوه الذي لا يستند إلى نبوة صحيحة، بل لا يستند إلى نبوة ابتداء، ففيه من الظلم الذي هو الكفر، فهو أعظم شعبه فيروج للردة الصريحة في بلاد المسلمين بمباركة وحماية غربية فكثير من المرتدين والكفار الأصليين الذين ينعتهم المتخاذلون بالإخوة في الوطن!، وهم خونة بكل المقاييس شرعية كانت أو وضعية، فكثير من أولئك قد فروا إلى بلاد الغرب ليتخذوها قواعد لضرب الإسلام وأهله، فسب وطعن في الملة ونبيها صلى الله عليه وسلم، وتحريض لأولئك على غزو ديار الإسلام لتحريرها من الأصولية الإسلامية فهي الخطر الأعظم الآن على السلم العالمي، الذي ظهرت أعلامه في أرض الرافدين بعد معركة التحرير الأخيرة! فذلك هو السلم المنشود، وفيه من الظلم للمجتمعات بإفساد أخلاقها بإشاعة الفواحش ما يظهر أثره في السلوكيات الشاذة التي تحظى بدعم وتأييد جماعات الضغط من الشواذ في أمم قد فقدت جزءا كبيرا من إنسانيتها بل من حيوانيتها، فكثير من الحيوانات أصح مسلكا بمقتضى فطرتها الأولى من أولئك، وفيه من الظلم بممارسة القهر السياسي على بلاد المسلمين لإخضاع قرارها ومصادرته لمصلحة الدولة اللقيطة رأس الحربة المتقدم لطعن وتمزيق العالم الإسلامي بشقيه الشرقي والغربي، فزرع ذلك الميكروب الفاتك بينهما، وفيه من الظلم بسرقة ثروات الغير، ولو كانوا غير مسلمين كما يجري في دول القارة السمراء، فمنها دول غير إسلامية تنهب كما تنهب سائر ديار الإسلام، ودولة الكونغو الديمقراطية أو "زائير" سابقا خير شاهد على ذلك فهي من أكبر دول القارة مساحة وثروات فتكاد تشكل لمن تأمل خريطة إفريقية: مركز القارة الذي يربط شمالها بجنوبها وهي مع ذلك من أقل الدول الإفريقية من جهة عدد المسلمين، ولم يشفع لأهلها كونهم على النصرانية عند القوى العظمى العالمية التي تناوبت الاحتلال وتنصيب العملاء عليها فمن عميل للرأسمالية زمن الستينات دفن بعد ذلك طريدا شريدا في المغرب بعد أن انتهى دوره، إلى عميل جديد قتله وزير دفاعه مؤخرا، والغرب يتدثر بالنصرانية عند مواجهته للإسلام، ليجتذب ضعاف العقول برسم الحرب المقدسة، وهو في حقيقته علماني ملحد لا يعرف الدين إلا عند تجييش الجيوش لظلم البشر عموما والمسلمين خصوصا، وساسته ورجال دينه المتسلطون على عقول أتباعهم بالخرافات سواء في الغرب أو الشرق، كما هو الحال عندنا في مصر، لا يعنيهم إلا الحفاظ على مكاسبهم ورياساتهم ولو بإضلال أمم بأكملها، فالنصرانية رداء ممزق لمن تأمله يستر به القوم عوراتهم الفكرية القبيحة، والشاهد أنه تصور ظالم من كل وجه، فلا يرجو منه عاقل ما يرجو من عدل النبوات، فشتان المصدر والمنهج.

والشاهد أن الرب، جل وعلا، قد نصرهم، على جهة التعظيم، مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا: فالانتصار منهم أبلغ من الانتصار عليهم، كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فضمن فعل الانتصار معنى: المنعة والحماية، فاجتمعت له الدلالتان: الدلالة الوضعية التي تفيد المدافعة والمبالغة، والدلالة الإضافية التي ضمنها الفعل بتعديته بـ: "من"، فهي تفيد كمال العناية والحماية لهم، فهو معنى زائد على مجرد المدافعة.

ثم جاء التذييل بعلة ذلك الانتصار والظهور على ما اطرد من التذييل المصدر بالتوكيد على جهة الفصل فلا وصل بعاطف لعلاقة شبه كمال الاتصال بين المعلول وعلته، وهي علاقة وثيقة تغني عن الوصل بعاطف، فعله ذلك:

إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ: فوصفوا بالمصدر مبالغة في بيان جرمهم الذي استحقوا به عقوبة الإغراق التي عطفت بالفاء فهي مئنة من الفورية، وإن تأخر العذاب، فالفورية لا تستلزم وقوع الفعل حالا، وإنما ذلك من قبيل: (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ)، فمهما طال زمان السلامة للكافر فإنه ساعة نزول العقوبة المستأصلة يذهل عن أزمنة السلامة المتطاولة التي أمهلها عله يرجع، بمقتضى سنة الإمهال الربانية، فتصير العقوبة وكأنها قد نزلت فور صدور التكذيب منه بلا أي زمان فاصل، وهي أيضا مئنة من السببية، فلا تخلو فاء عاطفة من ذلك، وإن لم تكن نصا فيه كفاء السببية القياسية التي حد النحاة شروطها وعملها بالنصب عقيب الطلب بنهي أو استفهام ...... إلخ، فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ: فجاء فعل العقوبة، أيضا، كما اطرد في السياق مسندا إلى ضمير الفاعلين فهو من مواضع الجلال بإهلاك أعداء الرسالات فناسبه التعظيم إمعانا في بيان عظم قدر صفات الجلال الربانية، وجاء التعميم فهو، جار، أيضا، مجرى التعظيم والترهيب من مصيرهم، فالخطاب قد توجه لقريش، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، في معرض الوعيد، والوعيد معنى عام قد علق على أسباب بمقتضى السنن الكونية والشرعية المحكمة، فمن تحققت فيه أسبابه، كقوم نوح، تحقق فيه الوعيد وإن اختلفت أنواعه، فالعذاب الرباني قد تنوع تبعا لحال الأمم المكذبة، فذلك، أيضا، مئنة من نفاذ القدرة وعظم الحكمة الربانية فلكل أمة شرع يلائمها، ولكل أمة عقاب، يلائمها، أيضا، إن سلكت غير سبيل الجادة: جادة النبوات المنجية لسالكها في الدارين. فوجب على قريش في كل عصر أن تحذر من تكذيب خبر الرسالة، فإن الاستئصال في الدنيا والعذاب المؤبد في الآخرة مصير كل مكذب للنبوة، سواء أكان كافرا أصليا أو مرتدا أو منافقا مستترا كحال كثير من العلمانيين في زماننا والله أعلم بالسرائر التي صار كثير منها علنا فلا حياء عند كثير منهم في إظهار الطعن في الإسلام ونبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورموزه من الصدر الأول، رضي الله عنهم، العلماء والقادة والعباد ..... إلخ.

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير