تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[24 - 03 - 2010, 08:04 ص]ـ

ومنه أيضا:

قوله تعالى: (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79) وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81) وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ):

فذلك من أوجه العناية بداود وابنه سليمان، عليهما السلام، فأفردا بالذكر، فهما ممن أوتي النبوة والملك معا، فكان ملكهما ملك الرحمة، برسم النبوة، لا الجور، فإن النبوة معدن العدل فلا تجتمع مع الجور بداهة، وكذلك الشأن فيمن سار على منهاجها، فخلافة النبوة أعدل خلافة، ولذلك كانت خلافة الأربعة، رضي الله عنهم، أعدل خلافة في الدنيا، فقد كانوا على منهاج النبوة سائرين بل مقتفين متحرين، فاستحقوا التخصيص بسنة تقارن السنة النبوية في حجيتها، بنص كلام صاحب السنة صلى الله عليه وعلى آله وسلم فـ: "فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ"، فسنتهم من سنته، وذلك أصل في الاستدلال، كما بينه أهل الاصطلاح والفقه، فتلحق سنتهم بسنته للنص على ذلك، فمستند حجيتها من سنته القولية، إذ نص على وجوب اتباع سنتهم على جهة الوجوب بقرينة ورود الأمر باسم الفعل الدال على اللزوم والالتصاق، فعليكم: على تقدير الزموا والتصقوا مئنة من كمال التحري لها، وذلك بخلاف سنن الجور التي فشت في ممالك الدنيا التي تسير على غير منهاج النبوة، وإن انتسبت إليها، كحال كثير من ممالك الشرق المسلم في زماننا، فهي عن أحكام النبوة معرضة، ولها جافية، مع ادعائها اتباع النبي الخاتم، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فتلك دعوى برهانها: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، فصدق الاتباع يلزم منه كمال التسليم والانقياد لخبر النبوة تصديقا ولحكمها امتثالا، وإلا كانت دعوى قولية بلا برهان عملي، والأعمال شاهد العدل للأقوال.

فخص الملكان النبيان، عليهما السلام، الممكنان برسم الوحي نبوة والسيف ملكا، فذلك أكمل أحوال الممالك فوحي يهدي وسيف يحمي ويردع، فالحق، كما ذكر المحققون من أهل العلم، لا يكون إلا بالكتاب الهادي استدلالا، والسيف الناصر، فبه يذب عن الحق دفعا، وبه يبث في الأمم طلبا، ولكل زمان فقهه، فالنبوة قد استغرقت سائر أحوال المكلفين من استضعاف أو تمكين، من خفاء أو ظهور، والرشاد إنما يكون بمعرفة واجب الوقت، فلكل وقت حكمه، ولكل نازلة نظر شرعي، ولا يكون ذلك إلا بترسيخ القدم في طريق طلب علم النبوات، فهو العاصم من الفتن لا سيما في زمن الانحسار الذي تذهل فيه العقول عن حقائق الديانة فتتزلزل أركان الإيمان في القلب بتتابع النوازل الكونية، وهو العاصم من الظلم والبغي في زمن الانتشار، إذ يكون سيف الشريعة هو الظاهر، فإن لم تلجم النفس، والبغي والعدوان جبلة فيها، إن لم تلجم بلجام الشرع بغت وظلمت، ولذلك كان من كمال وصف الصدر الأول، رضي الله عنهم، أنهم غُلبوا فما جزعوا وغَلبوا فما بطروا، فكانوا عدولا في الشدة وفي الرخاء، لم تذهلهم النوائب، ولم يطغهم الظهور على عدوهم، فأمن جانبهم حال الضعف وحال القوة، فصبر عن الجزع حال الضعف فـ: "نَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير