تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وصبر عن الظلم والبغي حال القوة فـ: "اذهبوا فأنتم الطُّلَقَاء". وتلك هي النبوة وكفى!، فلا وصف ثناء في حق البشر يفوقها، فأشرف ما وصف به بشر: وصف النبي فهو اسم جامع لأجناس العبودية والانقياد لرب العباد جل وعلا، ولذلك كانوا جميعا على رسم العبودية الاختيارية: (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ)، و: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ)، و: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا).

وخص ذكرهما بالظرفية الماضية التي دلت عليها: "إذ"، ولا تخلو من معنى تعليل، إذ ناسب ذكرهم في معرض الثناء وقوع تلك الحادثة الغريبة التي ظهرت فيها حكمتهم في فصل الخطاب، فذلك سبب وجيه لإفرادهما بالذكر عناية بشأنهما إذ كان حكمهما من السداد بمكان فهو حكم قضاة برسم النبوة، فأنى يجانبهم الصواب؟!.

وذيلت الآية بمزيد عناية بشهود الرب، جل وعلا، بعلمه المحيط لحكمهما، فذلك مئنة من كمال التسديد.

وبهذه الآية، وهي كما يقول صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، أصل في باب الاجتهاد الذي أفرده الأصوليون بالتبويب، بهذه الآية استدل على جواز اجتهاد النبي فيما لم يوح إليه في أمره شيء، فإن اجتهاد النبي معصوم إذ لا يقره الوحي على خلاف الأولى، كما تقدم بيان طرف منه في واقعة أسرى بدر، وهي، أيضا، أصل في هذا الشأن، فيجتهد النبي فإن أقره الوحي نصا أو سكوتا فذلك دليل إصابة الأولى، فالسكوت في موضع البيان: بيان، كما قرر الأصوليون، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، فلو كان الحكم خلاف الأولى لنبه الوحي على ذلك لقرينة عصمة الأنبياء عليهم السلام، وذلك أمر مطرد في كل النبوات السابقة، ويزيد عليه في نبوة النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم قرينة عصمة أمته من الإجماع على باطل فلا تجتمع هذه الأمة على ضلالة، فلو اجتمعت على ضلالة، ودينها الدين الخاتم فلا رسالة بعده لتبين الحق إن درست آثاره، فلو اجتمعت على باطل والحال كذلك، لبطلت الحجة الرسالية على عموم البرية من لدن بعث صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإلى أن تقوم الساعة، وتلك حجة عقلية دامغة على صدق نبوته صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإنه لو كان كذابا أو مدعيا لما لم يوح به إليه، حاشاه عليه الصلاة والسلام، لافتضح أمره وانكشف، ولو بعد حين، كما وقع لسائر الكذابين، فأمرهم إلى افتضاح، وإن ذاع صيتهم حينا، فما ذلك إلا ابتلاء وتمحيص لقلوب أتباع الرسالة الخاتمة فمنهم من في قلبه مادة كفر ونفاق تظهر من القوة إلى الفعل بتلك الفتن، فـ: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)، وهذا أصل في كل بلاء ينزل بالأمة الخاتمة من لدن بدأ ظهور الفتن بانكسار قفلها: المحدث الملهم: عمر الفاروق، رضي الله عنه، فلما انهار السد المانع من الفتن الحاجز لها بتقدير الرب، جل وعلا، تكالب أعداء الرسالة الخاتمة على هدمه، لما انهار بمقتل الفاروق شهيدا على يد أبي لؤلؤة الفارسي المجوسي الحاقد على مطفئ نيران آبائه بسيل التوحيد الجارف، لما انهار ذلك السد المنيع بدأ ظهور الفتن على استحياء في آخر خلافة عثمان، رضي الله عنه، ثم أطلت برأسها فظهرت أول فتنة عظيمة بقتل الراشد الثالث، رضي الله عنه، ثم توالت الفتن إلى يومنا هذا، فمن فتنة إلى أخرى حتى يخرج الدجال آخر الفتن وأعظمها، والشاهد أن ظهور أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ودحض حجته لكل شبهة فلا زالت رسالة الإسلام إلى يومنا وإلى أن يرث الله، عز وجل، الأرض ومن عليها: لا زالت سالمة من المعارضة فهي ظاهرة برسم الحجة الدامغة والبرهان القاطع، وإن ظهر عليها عدوها حينا بالسيف والسنان، فهو ظهور مؤقت مآله إلى الزوال ولو بعد حين، وذلك من عناية الرب، جل وعلا، بالأمة الخاتمة، فلا يسلمها إلى عدوها ليستبيح بيضتها وإن استباح فئاما منها، فذلك لازم التربية الشرعية بتوالي النوازل الكونية تمحيصا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير