تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فكان من تمام هذا الملك تسخير الشياطين له، مع ما قد علم من عصيانها وتمردها، فيغوصون له فذلك بيان إجمال تسخيرهم له، فهو خاص أتبع بالعموم: (وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ)، فالعطف في هذا الموضع من: عطف العام على الخاص، والعام، كما قرر الأصوليون: مجمل فجاء بيانه في موضع آخر من التنزيل، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، هو قوله تعالى: {يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجوابي وقدور راسيات}.

وزيد في المنة بالتذييل بقوله تعالى: (وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ)، فيحتمل الحفظ معنيين: حفظهم من التفلت والعصيان فذلك من تمام تسخيرهم له، وحفظ الناس من أذاهم، ولا مانع من الجمع بين المعنيين لعدم التعارض، بل الجمع بينهما آكد في تقرير معنى العناية به عليه السلام.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[25 - 03 - 2010, 08:22 ص]ـ

ومنه أيضا:

قوله تعالى: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ)

فأيوب، عليه السلام، قد صار مضرب المثل في الصبر، فأفرد بالذكر تكريما له على ما كان منه من صبر وجلد برسم الاحتساب فكان صابرا مختارا برسم الآدمية بل النبوة أشرف المنازل الآدمية، لا صابرا مضطرا برسم الحيوانية التي يظهر صاحبها السخط والضجر فصبره كلا صبر، بل هو عين ضده من الجزع، والمسدد من ألهم السير على طريقة أيوب، عليه السلام، حال نزول المصيبة الكونية، ولا يكون ذلك إلا بتسديد الرب، جل وعلا، فيسدد العبد إلى استحضار معاني الشكر حال السعة، مع توطين النفس على الصبر حال نزول الشدة، مع سؤال الله، عز وجل، السلامة منها ابتداء، فإن الهمم تتفاوت حلا وعقدا، فما أدرى الإنسان إن تقصد التعرض إلى الابتلاء برسم من وكل إلى نفسه لإظهاره، ولو بلسان الحال، الاستغناء عن تسديد وتثبيت الرب، جل وعلا، فذلك مئنة من العجب والركون إلى النفس، ومن ركن إليها فلم يسأل الرب، جل وعلا، المدد لها بالتثبيت حال الشدة، فظن أنه ناج بنفسه، فهو هالك لا محالة، فإنه لا غنى لأحد عن المدد الشرعي فبه الأمر والنهي المصلح لأمر الدين والدنيا، ولا غنى له عن المدد الكوني فبه يرزق في السعة ويثبت في الشدة إن كان مسددا ألهم الصبر فلم يجزع، فالعبد مفتقر إلى ربه، جل وعلا، في كل شأن ديني ودنيوي، وإنما يظهر الافتقار أبلغ ما يظهر، ساعة وقوع النوازل الكونية لا سيما النوازل العامة التي يجد كل منا أثرها في حياته، ولو جزئيا، وما أكثرها في زماننا، فنوازل محلية في الأمصار، من تضييق في أمر الديانة، وضيق في أمر الدنيا والمعاش هو العقوبة الكونية العادلة للتفريط في أمر الدين، فمن فرط في دينه، بل احتقره بلسان الحال، وربما بلسان المقال في أحيان كثيرة، حتى صار تسفيه أمر الديانة والحط من شأن أهلها، والسعي في إيذائهم .... إلخ من صور الحرب لله ورسوله، حتى صار ذلك تصورا عاما، فالعقوبة الكونية بالتضييق في أمر الدنيا نازلة لا محالة، فتلك سنة كونية جارية، فمتى بدل العباد بدل رب العباد، جل وعلا، فـ: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)، وذلك أمر مطرد منعكس، فإن غيروا إلى الأسوأ غير الله، عز وجل، فضيق عليهم جزاء وفاقا، بل إن ذلك عند التدبر والنظر من صور إنعامه عليهم أن ذكرهم بالشدة به، ليرجعوا إلى الجادة ولو شاء لجعلهم من أهل: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ)، وإن غيروا إلى الأحسن، غير الله، عز وجل، بالسعة والتمكين، فـ: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير