تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[26 - 03 - 2010, 08:29 ص]ـ

ومنه أيضا:

قوله تعالى: (وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ):

فعطف ذكر أولئك الثلاثة، عليهم السلام، على ذكر أيوب، عليه السلام، لجامع الصبر الذي تحلى به الكل، فكل من الصابرين على أمر الله، عز وجل، الشرعي بأداء ما كلفوا به، والكوني بما ينزل بهم من صور الابتلاء لرفع أقدارهم، فذكرهم من كمال العناية بهم، وما ألهموا من الصبر على القضاء الشرعي والكوني، من صور العناية بهم، أيضا، بل هو أعظم صور العناية بأي مكلف، فإلهام العبد طريق الخير، وتسديده وتثبيته بالمدد الكوني من الصبر الذي لا تطيق مرارته إلا النفوس الكبيرة التي جبلت على طلب المراتب العليا، والأنفة من المراتب الدنيا، فلن يهتدي إلى الطريق ابتداء إلا بهداية الرب، جل وعلا، ببعث الرسل عليهم السلام، فتلك هداية الإرشاد والبيان، ولن يهتدي إلى امتثال الوحي تصديقا وامتثالا إلا بهداية الرب، جل وعلا، بإلهامه السير على هذه الطريق، فتلك هداية التوفيق والإلهام، ولن يصبر على مكابدة المشاق التي تعرض لسالك هذا الطريق إلا بتصبير الرب، جل وعلا، له، فيلهمه من أسباب الصبر ما يعينه على احتمال المكروه، ولعظم شأن الأنبياء عليهم السلام ولعظم ما كلفوا به، ولعظم ما يلقونه من المشاق ابتلاء لهم، فهم أشد الناس ابتلاء، كما في حديث ابن مسعود، رضي الله عنه، مرفوعا: "إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا قُلْتُ إِنَّ ذَاكَ بِأَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ"، ولعظم ما يقابلون به من الجحود والتكذيب وسائر صنوف الأذى المادي والمعنوي، لكل ذلك، كان تيسير أسباب الصبر لهم، من آكد صور العناية الربانية بهم، ولكل من سار على طريقهم من تلك العناية نصيب، فهم أولى الناس بها لمكان النبوة، فهي منصب، كما تقدم، جليل، فكان من جلال قدره أن تعظم تبعاته، فعلى: قدر أهل العزم تأتي العزائم، وإذا عظمت التبعة عظمت المنة بما يعين صاحبها على احتمالها والقيام بها على الوجه المشروع الذي يرضي الرب، جل وعلا، والأنبياء، عليهم السلام، كما تقدم في أكثر من موضع، أطوع الناس للأمر الشرعي الحاكم، فاقتضى ذلك لزوما أن يكونوا أصبر الناس على تبعاته، واختصاصهم بالدرجة العليا من هذا الوصف لا يمنع دخول غيرهم فيه، فإن كل سائر على طريق النبوة على رسم الاقتداء من صديق أو إمام أو صالح أو شهيد، لا بد له من التحلي بالصبر على تبعات لزوم هذه الطريق الوعرة، فهي محرقة البداية مشرقة النهاية، فمن صبر على ألم البداية عالج من لذة النهاية ما ينسيه الألم العارض الذي لا يسلم منه مكلف بمقتضى السنة الكونية الجارية فـ: (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ)، فتخصيص الأنبياء بالذكر لا يعني انتفاء الحكم في حق غيرهم فمنصب الصبر على رسم الامتثال للأمر الشرعي الحاكم، والاحتساب لما يجري على العبد من الأمر الكوني النافذ هو من المناصب التي تقبل الشركة، وإن اختص الرسل، عليهم السلام، بأرفع درجاته، فذكرهم، كما تقدم، ليس مخصصا لعموم الوصف، فذكر بعض أفراد العام لا يخصصه، كما تقدم في أكثر من موضع، بل ذكروا تمثيلا للعام بأشرف أفراده فهم القدوة في كل ما جاز الاقتداء بهم فيه من الأحكام العامة بخلاف ما اختصوا به من الدرجات وأعظمها: درجة النبوة فهي وهبية من الرب الوهاب، جل وعلا، يضعها في المحال التي يشاء، بمقتضى حكمته البالغة، فيصطفي أشرف النفوس بالخلق والصناعة على عينه، ليضع فيها معدن الهداية البشرية: النبوة الهادية التي لا يكون صلاح لدين أو دنيا، لعاجل أو آجل إلا بها. فليست كسبية تكتسب برياضة أو فكر، فمجاهدة النفوس لا تصنع النبوة، فهي منحة ربانية لا صناعة أرضية تحصل أسبابها كما تحصل أسباب سائر الصنائع البشرية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير