تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من بقية جوعى الأمم!.

ووقع لهم أيضا ضعف في أبدانهم أقعدهم عن الطاعة، ففرطوا في الواجبات طلبا لرتب متوهمة من الكمال، وليس ذلك، كما تقدم، مسلك الأنبياء عليهم السلام، فـ: "أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي"، فإن جاعوا فاضطرارا كما وقع للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم الخندق، أو اختيارا برسم الاعتدال فصيام يزكي النفس والعقل، فلا يأتي على الأصل بالإبطال والإفساد، فإن الشرائع ما نزلت إلا لحفظ الأديان والأبدان، فمتى أتلفت الأبدان برسم الانتصار للأديان منها، فمن يقوم بأمر الشريعة؟!.

والتوسط في كل شأن ديني أو دنيوي هو مسلك النبوات التي توصل السالك إلى بر الأمان، فينجو من لوثة الغلو، وجفوة التفريط. فالحق وسط بين طرفي الإفراط تشديدا والتفريط تمييعا.

وأما ذو الكفل عليه السلام فقد سمي بذلك لأنه صبر على ما تكفل به من الطاعات فهو على رسم: (إِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى)، فحذف المفعول مئنة من العموم فقد وفى بكل ما وكل به من أمر الدين والدنيا، وذلك من فضل الرب، جل وعلا، عليه، أن اصطفاه لهذا المنصب وأعانه على القيام بأعبائه.

ثم جاء التذييل بما ادخر لهم عند الرب، جل وعلا، من الكرامة جزاء وفاقا لصبرهم وحبس أنفسهم في قيد التكليف فـ:

أَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ: فجاء الفعل على جهة التعظيم بإسناده إلى ضمير الفاعلين فذلك آكد في بيان عظم المنحة بعظم المانح لها، عز وجل، وجاءت الرحمة، أيضا، معظمة، بنسبتها إلى ضمير الفاعلين، وذلك من إضافة المخلوق إلى خالقه إن أريد بالرحمة: الجنة، فهي الرحمة المخلوقة، فـ: "أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي"، وهو من إضافة الصفة إلى الموصوف إن أريد بها وصف الرب، جل وعلا، فهو الرحيم برحمته الخاصة: عباده المؤمنين، وهو الرحمن برحمته العامة: لسائر خلقه، فـ: "في": تحتمل الظرفية الحسية إن أريد بالإدخال: الإدخال في الرحمة المخلوقة، وتحتمل الظرفية المعنوية إن أريد به الإدخال في الوصف، فالداخل في صفة الرحمة يتنعم بآثارها الشرعية، والنبوة أعظم آثار الرحمة الشرعية فـ: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)، والداخل فيها يتنعم بآثارها الكونية من رزق وخصب ونماء، وأشار أبو السعود، رحمه الله، إلى وجه ثالث تحمل فيه الرحمة على النبوة فهي داخلة في جملة الرحمات الشرعية فهي أعظمها، كما تقدم، فخصها ابو السعود، رحمه الله، بالذكر لمقامها الرفيع، فهي أعظم صور الرحمات الربانية النازلة، ولا مانع من الجمع بين تلك المعاني لعدم تعارضها، بل إن التلازم الوثيق بين الرحمة المخلوقة والرحمة غير المخلوقة، فالرحمة المخلوقة هي أثر الرحمة غير المخلوقة، فضلا إثراء المعنى بزيادة أوجه العناية بهم بكلا الرحمتين، كل ذلك مما يحسن معه الجمع بينهما، ثم جاء التذييل بعلة ذلك: "إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ"، فصدرت العلة بالمؤكد وذيلت بالوصف الذي علق عليه الحكم وهو الصلاح، وهو وصف عام يصدق في غيرهم، وإن كانوا أعظم الناس اتصافا به، فهم، كما تقدم، أمكن الناس في هذا الباب وفي كل أبواب الخير. ويحتمل الصلاح العهد بحملة على خصوص النبوة، كما أشار إلى ذلك أبو السعود، رحمه الله، فهم من جملة الأنبياء، عليهم السلام، ووجه وصف النبوة بالصلاح أنها معدنه، فلا صلاح، كما تقدم، إلا بإقامة أحكامها.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[27 - 03 - 2010, 08:21 ص]ـ

ومنه قوله تعالى: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير