تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مَعْلُومٌ)، وذلك التنوع في الدرجات تبعا للتنوع في الأوصاف مئنة من حكمة الرب، جل وعلا، في وضع كل في موضعه، فالحكم كمالا أو نقصانا فرع عن الوصف الجالب له المؤثر فيه.

فيكون في الآية نوع إجمال ورد بيانه في مواضع أخر، على ما اطرد في التنزيل وسبقت الإشارة إليه مرارا، من وقوع الإجمال في مواضع وورود بيانه في مواضع أخر، فصور العناية قد ذكرت تفصيلا في نحو قوله تعالى: (فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آَمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) في سورة يونس، وفي نحو قوله تعالى: (وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) فَآَمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) في سورة الصافات فبجمع أدلة الباب تكتمل صورته ويجري الاستدلال على أكمل الوجوه، وهذا أصل جليل يطرد في كل مسائل الديانة: أخبار كانت أو أحكاما.

ثم جاء التذييل بالعبرة العامة فتلك سنة كونية مطردة، فلأتباع الرسالات منها قدر، يكون بقدر التزامهم بالرسالات تصديقا وامتثالا، فـ: (كَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)، فعلق الحكم على الوصف، وبالإمعان في الوصف يكون ظهور الحكم، فالوصف علته فيدور معه وجودا وعدما، كما تقدم مرارا، فإن كان ثم إيمان فثم نجاة، والإيمان لا بد له من برهان في عالم الشهادة من أقوال اللسان وأعمال الجوارح، فليس مجرد تصديق بالقلب أو دعوى باللسان، بل لا بد له من برهان عملي، فإن لم يكن ثم إلا الدعوى أو الانتساب العام إلى الرسالات دون تحقيق لمعانيها فليس ثم نصر، وإن أظهر أتباع الرسالات من الدعاوى والحجج الباهتة ما أظهروا، فلا حجة في هذا الباب إلا تعظيم الديانة بتصديق أخبارها وامتثال أحكامها، والانتصار لها في كل ميدان، والدفاع عن حرماتها التي باتت تنتهك على الدوام فلا تمضي نازلة حتى تحل أخرى جزاء وفاقا لما كسبت أيدينا.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[28 - 03 - 2010, 08:22 ص]ـ

ومنه قوله تعالى: (وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)

فذلك جار على ما تقدم من العناية الربانية المطردة بأنبياء الله، عليهم السلام، فهذا نبي كريم سأل الولد ليرث علوم النبوة، فالميراث هو ميراث الوحي: أشرف أجناس المواريث، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فالأنبياء لا يورثون دنيا، تنزيها لهم عن احتمال الشبهة التي يثيرها من جعل النبوة من جنس الملك، فجعل دول الأنبياء، عليهم السلام، من جنس الممالك الأرضية الموروثة برسم الجور، كما هو الحال في زماننا، فصار الهم الأعظم، نقل ملكية الأمم من ذمة جائر إلى آخر، فليت وراثتهم كانت من جنس وراثة الخلافات الأموية والعباسية ثم العثمانية، آخر العهد بممالك الشريعة، التي لا أثر لها في الأرض الآن، فلا خلافة كاملة على منهاج النبوة، ولا ملك ورحمة، كملك معاوية، رضي الله عنه، ولا حتى ملك جبري كملك من جاء بعده، يظلم فيه أفراد، والظلم محرم في كل شريعة إلهية بل ووضعية محرم، وتنصر أمة تخضع لها بقية أمم الأرض برسم الشريعة التي حملت الكتاب الهادي وسلت السيف الناصر، فيدفع ملوك الصين في أقصى الشرق الجزية، وتطأ فيه أقدام الفاتحين شبه الجزيرة الأيبيرية في أقصى الغرب، فيصير العالم القديم في قبضة الموحدين، وإن كان ثم انحراف عن خلافة النبوة الأولى، فقد كان انحرافا جزئيا ظهرت آثاره في بعض أركان الخلافة، ولكنه لم يبلغ حد زلزلة تلك الأركان الراسخة، فقد كان الماء كثيرا قد بلغ القلتين بل قلالا فلم يحمل خبثا قليلا، زاد شيئا فشيئا، وقل الماء، فحمل الخبث لاحقا بتغير أوصافه، فجرت السنة الكونية بتبديل الحكم من الطهر إلى الدنس، لما تغير الوصف، فكثر الخبث، كما أخبر صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو مظنة هلاك الصالح والطالح، فالعقوبة الكونية، ومنها أجناس النوازل التي نعيشها الآن، والتي تضرب

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير