تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فئاما منا بسيف الظلم، كحال الموحدين المرابطين في بيت المقدس، وتضرب آخرين بسيف الذل والمرارة، وإن كان ثم صلاح على مستوى الأفراد، فإنه لا يبلغ بمقتضى السنة الكونية المطردة، حد رفع العقوبة العامة، فالعقوبة العامة لا ترفع إلا بالرجوع العام إلى الديانة تعظيما بالتصديق والامتثال، لا مجرد التعظيم باللسان، فإذا دعيت الأركان إلى الله ورسوله رأيتها تصد عن أحكام الشريعة صدودا، فصار الدين محض ترف فكري بتناول ما يروق من التكاليف الشرعية، والمسائل العلمية، وترك ما يثقل على النفس، ولكل مسلم في زماننا من ذلك نصيب، قل أو كثر، وذلك من أسباب تخلف الحكم بالظهور على سائر الأديان، فإنه لا ظهور له إلا بعباد يحملونه كله فلا يفرقونه فيكونوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون، فيأخذ كل ما يروق له، وبذلك اعتذر صلى الله عليه وعلى آله وسلم لبني شيبان، لما قبلوا دعوته برسم الإجابة والانقياد الصادق، فلم يكونوا كبني عامر بن صعصعة الذين أرادوا الأمر لهم من بعده، والأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، والحرص على الإمارة مئنة من قلة التقوى، إلا من كان لها أهلا في زمان عم فيه الفساد، وقل أن يوجد ذلك الأمير الصالح، فليس ثم أحد من السادة المسئولين في زماننا! كيوسف الصديق عليه السلام، والشاهد أن بني شيبان أجابوا إلى الكل إلا جزءا وهو حرب فارس، فاشترطوا منعه صلى الله عليه وعلى آله وسلم من كل الأمم إلا الفرس، وهم لذلك كفؤ، فهم أهل حرب وقتل، وقد ظهر من ذلك ما ظهر يوم ذي قار وكانت أول نازلة تحل بالفرس على يد العرب، ثم ظهر منه أثر أعظم في فتوحات العراق فكان فتى بني شيبان: المثنى بن حارثة من أبرز قادة الفتح، ومع ذلك لم يشفع لهم كل ذلك في قبول هذا الشرط، فإن هذا الأمر لا يقوم به إلا من حمله كله فلم يستثن منه جزءا، ولو يسيرا، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم آنذاك في أمس الحاجة إلى من يمنعه من قومه، ومع ذلك لم يقبل هذا العرض الصادق، فإنه لا يستقيم على سنن الشرع، فإما أن ينصر الإنسان الدين نصرا عاما، ما استطاع إلى ذلك سبيلا، فيكون الظهور العام على سائر الأمم، وإما أن ينتقص من ديانته، فيظهر ظهورا أقل من ظهور النبوة على سائر أعدائها، كما وقع للجماعة المسلمة بعد ارتفاع النبوة والخلافة الراشدة، فكان الظهور في زمن بني أمية وبني العباس وبني عثمان، وإن اتسعت رقعة الدولة، كان ظهور الإسلام في تلك الممالك أقل من ظهوره في عصر النبوة والخلافة الراشدة، فلم يظهر الإسلام الذي نزل به الوحي ظهوره زمن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وخلفائه الأربعة، رضي الله عنهم، فتلك بحق، ألمع فترات الديانة، حتى في زمن الاستضعاف في العهد المكي، فقد حمل الصدر الأول، رضي الله عنهم، الإسلام كله، بواجباته وسننه، بسرائه وضرائه، فابتلوا بالشدة والاستضعاف في مكة فصبروا على حكم الديانة: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ)، وذلك أصعب شيء على نفس العربي الأبي، أن يصبر على الظلم مختارا، فيصبر نفسه الثائرة التي لا ترضى الضيم تحت حكم الرسالة، فما جزعوا وما نقصوا، وإن تعجل بعضهم النصر استباقا لسنة كونية مطردة، فجاء بيان النبوة شافيا لما اعتمل في صدورهم من ألم القهر والظلم: "إنّ من كان قبلكم كان أحدهم يوضع المنشار على مفْرَق رأسه فيخلص إلى قدميه، لا يَصْرفه ذلك عن دينه، ويُمْشَطُ بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه، لا يصرفه ذلك عن دينه. والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم قوم تستعجلون"، ثم ابتلوا بالسعة والظهور في المدينة، فأقاموا حكم الوحي في حمل الشرع والذب عنه فـ: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)، ثم: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)، ثم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير