تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)، فما بطروا وما ظلموا، بل كان سيفهم، بشهادة أعدائهم، أعدل السيوف، فهو سيف ناصر لحكم الكتاب الهادي، فلا يسل ولا يغمد إلا برسم الشريعة المنزلة، فالأهواء معزولة، فلا حظ للنفوس إلا في حمل الرسالة وإزالة ممالك الظلم والطغيان التي تحول بين الأمم وبين نور القرآن، فتزال لتقام الممالك على رسم النبوة، فهي أعدل الممالك باستقراء تاريخ البشر، فحيث كانت النبوة كان العدل والأمن، وحيث لا نبوة فليس ثم إلا ما نراه في زماننا من الظلم والقهر، فالنبوة، كما تقدم، مادة صلاح الدارين، ولذلك اعتنى الرب، جل وعلا، بأصحابها تلك العناية العظيمة المطردة، فذلك من رحمته بالبشر، أن أظهر حملة رسالاته، فكلهم ظاهر منصور، وإن تسلط عليهم شذاذ الأمم، كيهود قتلة الأنبياء، ومنهم زكرياء ويحيى، عليهما السلام، فلم يكن ذلك خذلانا للنبوة فهي ظاهرة، وإن كره أعداؤها، وإنما اصطفى الرب، جل وعلا، النبيين الصادقين لمرتبة الشهادة بعد أن اصطفاهما لمرتبة النبوة، وضرب الذل على قتلتهم، فلا يظهرون إلا عقوبة لأتباع الرسالة، كما هو الحال في زماننا، فتكون مرارة العقوبة: تسلط أذل الأمم على أمة لديها معدن العزة والخيرية، آخر الرسالات السماوية، فـ: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)، فرسم الخيرية قد علق على اتباع الوحي، أمرا بالمعروف، ونهيا عن المنكر، فذلك خصوص، وإيمانا بالله، عز وجل، فذلك عموم لا مخصص له، فالإيمان بالله، كما تقدم، إيمان بالرسالة كلها، فلا تجرى أحكام وتعطل أخرى تبعا للأهواء والأذواق.

وفي المقابل: بقدر انتقاص الجماعة المسلمة من الديانة يكون الظهور باهتا، إلى أن تعمل السنة الكونية عملها في زلزلة أركان الملك، فتلك سنة كونية استغرقت من الزمان سنين بل قرونا، فنخر سوس المعصية أركان الديانة في نفوس الأفراد والجماعات، نخرا بطيئا غير ظاهر ولكنه عظيم الأثر، فهو كالسرطان يصيب خلية واحدة في أوله فلا يشعر المريض بأثره ثم يزداد انتشارا في صمت حتى يفاجأ المريض بأثره بعد سنين، فأحدث السوس في نفوسنا ما نحن فيه الآن من ضعف يعجب كثير منا، ممن لم يستقرئ السنة الكونية بتأن، يعجب منه عجب المريض بالسرطان، عافى الله مرضى المسلمين، أين كان منه وهو يلتهم خلايا جسده فلم يشعر به إلا في طوره الآخر وقد كان في الإمكان الشفاء منه في أول أمره، فكان التراجع في الأعصار التالية لعصر النبوة والخلافة الراشدة، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين، كان تراجعا جزئيا له أثر ولكنه غير ظاهر، فكان الطهر هو الغالب، فلم يحمل الخبث القليل، فظهر الدين الخاتم على سائر الأديان، ثم لم يزل الخبث يزداد حتى صار هو الغالب، فتغير الحكم، كما تقدم، لتغير الوصف، فبعد العز: ذل، وبعد الظهور: دروس وخفاء، والسنة الكونية مطردة منعكسة فما فقد في قرون متطاولة لا يستعاد بغضبة واحدة، ولو كانت صادقة، فهي أولى خطوات الطريق الطويل لاستعادة منصب القيادة برسم النبوة الخاتمة، وذلك طريق طويل، ولكنه بمقتضى السنة الربانية: الطريق الوحيد، فلا طريق إلا طريق النبوة، فبه مكن الصدر الأول، فوقع الابتلاء تمحيصا وتصفية، ثم جاء الظهور بعد كمال التربية، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وتلك سنة جارية في كل الأمم، ولو كانت على غير رسم النبوة، فكيان يهود اللقيط الذي نكتوي الآن بناره، لم يظهر إلى الوجود في يوم وليلة!، فذلك لا يكون أبدا، وإنما استغرق الأمر زمنا طويلا لم يظهر لنا منه إلا نحو خمسين عاما: من مؤتمرهم الأول سنة: 1897 م إلى سنة: 1948 م، فتلك الخاتمة لا أكثر.

فعلى أتباع الرسالة أن يقتدوا بأمثال جولدا مائير وبيجين في صبرهم وعزمهم، إن لم يكن بهم طاقة بالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقرنه المفضل!.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير