تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وسنة الرب، جل وعلا، في الهدم والبناء، سنة: جارية مطردة، فلن يستيقظ المسلمون غدا ليروا الأقصى وقد تحرر وهم لما يزالوا نائمين، فكما استغرق الهدم أجيالا، فكذلك البناء يستغرق أجيالا تبتلى وتمحص لينتفي خبثها، فتصير أهلا لحمل الرسالة.

فنادى زكريا عليه السلام ربه جل وعلا: رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا: فقدم وصف الربوبية في مقام الطلب، فذلك من الثناء قبل المسألة، فتوسل بالوصف الأمثل في مقام طلب عطية الولد الصالح، ثم ذيل بوصف ثناء آخر يلائم السياق، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله: فأنت خير الوارثين، فهبني من لدنك وارثا لعلوم النبوة، فذلك نوع مشاكلة بطلب الوارث البشري من الرب الوارث للكون، فهو، تبارك وتعالى، الصمد الباقي بعد فناء خلقه.

وقد اطرد في دعاء الصالحين، والأنبياء، عليهم السلام، أشرف أجناس الصالحين، اطرد في دعائهم: اختيار الوصف الأمثل في مقام الدعاء بالرحمة أو الطلب أو العذاب لأعداء الديانة ....... إلخ، فذيل أيوب عليه السلام دعاءه بالرحمة: (وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)، فذلك أليق بحاله، كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، وذيل زكريا، عليه السلام، دعاءه بما يلائم حاله من طلب الوارث الصالح من الرب الوارث، جل وعلا، وحسن تذييل أوصاف الدعاء على أهل البغي والعدوان بصفات الجلال من العزة والجبروت والكبرياء، ولكل مقام مقال، ولكل دعاء ما يناسبه من أوصاف كمال ربنا، جل وعلا، فلدعاء المسألة ما يناسبه من الثناء بوصف الجمال، ولدعاء الانتصار من الأعداء ما يناسبه من الثناء بوصف الجلال.

فجاءت الاستجابة الفورية، كما وقع لذي النون، عليه السلام، على حد التعظيم بإسناد الفعل المزيد في مبناه بالألف والسين والتاء مئنة من زيادة معناه، إلى ضمير الفاعلين فذلك أليق في مقام الثناء على الرب الواهب فهو الكريم الرحمن، فرحمته قد عمت سائر الخلائق، ومن أظهر صورها: استجابة الدعاء، لا سيما دعاء الأنبياء، عليهم السلام، ومن سار على طريقتهم من الصالحين والشهداء: فـ: اسْتَجَبْنَا لَهُ، فذلك إجمال جاء البيان عقيبه فـ: وَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ، إذ كانت عاقرا، كما دل على ذلك قوله تعالى: (وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا)، فذلك، جار، أيضا، على ما اطرد من البيان لمجمل التنزيل بالتنزيل، فوجه الإصلاح مجمل قد عينه بيان وجه النقص فيها، فهي عاقر لا تلد، فإصلاحها في مقام الامتنان بهبة الذرية هو: إصلاح بدنها لتصير أهلا للحمل والولادة، فعطف إصلاح المحل لقبول الولد على الامتنان بهبته: عطف لازم على ملزومه، فلازم هبة الولد منها: إصلاح بدنها لتصير، كما تقدم، أهلا لذلك، فذلك من التلازم العقلي الوثيق.

فالإطناب في تعداد وجوه المنة أليق، كما تقدم، بمقام العناية بالرسل عليهم السلام.

ثم جاء التذييل بالعلة المصدرة بالمؤكد، فاستجاب لهم الرب بوصف ربوبية الإنعام لامتثالهم أمر الألوهية بالدعاء: رغبا في وصف الجمال، ورهبا من وصف الجلال، فذلك الباعث على المسارعة من الخيرات، فجاء المبنى مزيدا على حد المفاعلة التي تدل على نوع:

مسابقة: فـ: (اسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ)، وبه استدل أهل الأصول على وجوب المبادرة إلى امتثال الأمر فالأمر على الراجح من أقوالهم مئنة من الفور.

ومنافسة: (خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)، فالتصور الصحيح لأسماء وصفات الرب الجميل الجليل هو الباعث على عمل الخير، فالظاهر، كما اطرد مرارا، مرآة الباطن، فالتلازم بينهما: إيجابا أو سلبا: تلازم وثيق، فبقدر صحة التصور ولا يكون ذلك إلا من طريق النبوات لمكان العصمة والتأييد بالوحي: تكون صحة الحكم بأعمال الجوارح فهي المصدقة لما قام بالقلب من العلوم والإرادات.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[30 - 03 - 2010, 08:14 ص]ـ

ومنه قوله تعالى: (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير