تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهي أيضا: آية شرعية تتلى آناء الليل وأطراف النهار، فذلك وجه عناية أخرى بهما، أن أبقى الله، عز وجل، ذكرهما، ورفعه بين العالمين فلا يذكران في الكتاب العزيز إلا في سياق الثناء الجميل بالطهر والعفاف والاصطفاء للأم، عليها السلام، وكمال العبودية والاصطفاء بآخر رسالات بني إسرائيل للابن عليه السلام.

وفي ختام السياق جاء التنويه العام بسير أولئك السادة:

إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ:

فالأنبياء عليهم السلام: أمة واحدة دينهم الجامع الإسلام، وإن تباينت الشرائع، تبعا لتباين أحوال الأمم، فلكل ما يلائمه، وذلك، كما تقدم في مواضع سابقة، مئنة من عظم حكمة الرب، جل وعلا، بأن أعطى كل خلق ما يلائمة من الأحكام الكونية والشرعية، فأمم لا تصلحها إلا الشدة، وأمم لا يصلحها إلا اللين، وأمم قد اكتملت شريعتها فهي الجامعة للترغيب باللين والترهيب بالشدة، وتلك هي الأمة الخاتمة فلها أعظم نصيب من كمال وصف الرب، جل وعلا، فتفعل المأمور رغبة في آثار أوصاف جماله جل وعلا، من الرحمة والغفران والإكرام، وتجتنب المحظور رهبة من أوصاف جلاله جل وعلا، من البطش والمكر والانتقام.

ومع هذا الاختلاف فإن أصول الشرائع واحدة وذلك مئنة من كون الشارع، جل وعلا، واحدا.

يقول ابن تيمية رحمه الله:

"وأهل الكتاب معهم حق في الخبريات والطلبيات ومعهم باطل وهو ما بدلوه في الخبريات سواء كان المبدل هو اللفظ أو معناه وما ابتدعوه أو ما نسخ من العمليات والمنسوخ الذي تنوعت فيه الشرائع قليل بالنسبة إلى ما اتفقت عليه الكتب والرسل فإن الذي اتفقت عليه هو الذي لا بد للخلق منه في كل زمان ومكان وهو الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} ". اهـ

"الجواب الصحيح"، (3/ 71).

بل الشريعة الواحدة تتفاوت أحكامها، فمواضع لا يصلح فيها إلا الشدة، وأخرى لا يصلح فيها إلا اللين، وأزمان لا يصلح فيها إلا الحكم الشديد، فإذا زالت العلة والحكمة من تشريعه نسخ بالتخفيف، فذلك، أيضا، من كمال حكمته، عز وجل، في تربية الجماعة فيلائمها الجلال حينا ويلائمها الجمال حينا آخر، ولكل مقام مقال.

ثم جاء القصر على جهة الحقيقة، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فأنا ربكم لا رب لكم غيري، لكمال نعمه، جل وعلا، فهو الرب الخالق البارئ المصور الملك المدبر الرزاق ..... إلخ، فتلك بعض نعمه على خلقه، فهي أعظم وأكثر من أن تحد بوصف أو قدر، ولازم ذلك على ما اطرد من التلازم الوثيق بين الربوبية والألوهية: "فاعبدون"، ولا تشركوا بي غيري، فالتمانع في الربوبية لازمه التمانع في الألوهية، فلا إله معبود بحق إلا هو إذ لا رب خالق إلا هو.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[31 - 03 - 2010, 07:49 ص]ـ

ومن سورة غافر:

ومن قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ):

فتعريف الجزأين مئنة من قصر هذا الوصف على الرب، جل وعلا، فالرزق، من أخص أوصاف الربوبية، والفعل الكوني بإنزال الماء من السماء فهو سبب الرزق والنماء، ذلك، أيضا، مما اختص به الرب، جل وعلا، فالسبب المغيب من سوق الملائك للمزن، والسبب المشهود من تلاقح السحب لإنزال المطر ..... إلخ مما دلت عليه العلوم الحديثة، كل ذلك لا يكون إلا بكلمة الرب، جل وعلا، الكونية النافذة فهي العلة الأولى لكل فعل في الكون فينزل الماء بقدر، ويحجزه بقدر، ويجريه رحمة بقدر، وينزله عذابا بقدر، فكل حركة في هذا الكون بقدر رباني نافذ، فاختص الرب، جل وعلا، بالوصف والفعل الصادر عنه على جهة القصر، فدلالته حقيقية، فهو لا غيره الذي يؤثر في كونه بكلماته على جهة الاستقلال، فما عداها من الأسباب تتأثر بغيرها فلا بد للسبب المخلوق من شروط تستوفى وموانع تنتفي، بخلاف العلة الأولى: كلمة الرب، جل وعلا، الكونية، فهي، كما تقدم مرارا، العلة المؤثرة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير