تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

على العباد والعناية بهم بتنزيل الأرزاق قرينة ترجح معاني التعظيم للرزق النازل فهو عظيم الوصف لعظم ما يحصل به من الانتفاع، والتكثير فهو وفير يحصل به نماء الزروع وسقي المهج ناطقة كانت أو عجماء لا تعقل، فالماء سبب الرزق، فأطلق الأثر الناتج وأريد السبب المنتِج، فذلك، أيضا، من المجاز المرسل، عند من يقول بالمجاز، فعلاقته: المسببية، ومن ينكر المجاز فإنه يجعل دلالة الماء على الرزق من قبيل الدلالات العقلية الضرورية، فدلالة السبب على المسبَّب دلالة ضرورية يدركها سائر العقلاء، ودلالة الحس، وهي من الدلالات الضرورية، شاهدة أيضا، للمراد من الرزق في هذا السياق، فالحس يدرك بداهة أن الماء هو سبب نماء الزروع وصلاح الأبدان، وقد يقال من جهة أخرى: الماء رزق باعتبار ما يتولد عنه من الزرع، فهو سببه، ورزق في نفسه، فبه، كما تقدم، تحفظ المهج، فيكون رزقا على جهة الحقيقة من هذا الوجه، وهذا مما قد يشهد لدلالة اللفظ على المعنى دون حاجة إلى حمله على المجاز، فالكلام على حقيقته إلا إن تعذر الحمل عليها فيحمل على المجاز لقرينة معتبرة، ولا تكون غالبا إلا لفظية، فيؤول الأمر إلى سياق الكلام، وهذا مما يضيق دائرة الخلاف بين مثبتي المجاز ومنكريه ويجعله في مواضع كثيرة محض خلاف لفظي، فالمعنى المراد متبادر إلى الذهن بداهة سواء أثبت المجاز أو نفي.

وعقيب التذكير بالآيات الكونية في معرض تقرير ربوبية العناية جاء التذييل بلازم ذلك من وجوب إفراده، جل وعلا، بالألوهية، ومن صورها: الإنابة على جهة القصر الحقيقي أيضا: (وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ)، فلا ينتفع برؤية تلك الآيات إلا من ينيب، والمضارعة على ما تقرر: دليل تجدد واستمرار فتلك عبادة قلبية لا يتصور انقطاعها منه، فهي من مواد حياته الضرورية.

ثم جاء التفريع على ما تقدم من آيات ربوبية العناية كما أشار إلى ذلك صاحب التحرير والتنوير رحمه الله: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ: فذلك من اختصاصه، جل وعلا، بالتأله، فرعا عن اختصاصه بالربوبية، على ما تقدم مرارا، من التلازم العقلي الوثيق بين ربوبية الرب، جل وعلا، وألوهية العبد.

وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ: فذلك من المبالغة، فـ "لو": "وصلية"، فاعبدوه ولو بلغ ذلك ما بلغ من كره الكافرين مع تسلطهم عليكم فذلك أقصى ما يتصور في مثل هذه الحال قلا يثنيكم ذلك عن إفراده، جل وعلا، بالعبادة فالعاقبة للموحدين ولو بعد حين.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[01 - 04 - 2010, 08:25 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ)

فذلك من أدلة العناية بالبشرية بإلقاء أخبار الوحي إلى الأنبياء، عليهم السلام، فهم صفوة الخلق الذين اختارهم الرب، جل وعلا، بمشيئته النافذة، ولما كان السياق سياق امتنان من الرب العلي، عز وجل، على عباده، ناسب ذلك تصدير الخطاب بوصف الرفعة، فذلك من الأسماء المقيدة للرب، جل وعلا، فليس من أسمائه الرفيع، وإن كان المعنى صحيحا، بل واجبا للرب، جل وعلا، فالرفعة من العلو، والعلو ثابت متواتر للرب، جل وعلا، بكل معانيه فله علو ورفعة الذات، والوصف، والقدر، والشأن،، ولكن الشأن في باب الأسماء والصفات: التوقيف، فما ورد مطلقا بقي على إطلاقه، وما قيد: فلا يطلق إلا مقيدا، كما هو الشأن في هذا الاسم: "رفيع الدرجات"، وما جاء وصفا فلا يشتق منه اسم، على الراجح من أقوال أهل العلم، وما جاء فعلا أثبت فعلا ولم يزد على ذلك باشتقاق، كما تقدم، وما أطلق خبرا كـ: الأزلي والقديم فلا يسمى به الرب، جل وعلا، ولا يوصف، إذ باب الإخبار أوسع من باب الوصف، وباب التسمية من باب أولى، فهو أضيقها، فهو، جل وعلا، رفيع الدرجات، فـ: "أل" في "الدرجات": جنسية استغراقية لعموم ما دخلت عليه، فله جل وعلا الرفعة بكل معانيها، ذاتية كانت أو معنوية، ودرجات الرفعة على هذا الوجه لا تعد ولا تحصى، فلا يحصي ثناء على الرب، جل وعلا، إلا هو، فناسب ذلك إيراد الوصف على جهة العموم المستفاد من الإضافة إلى المحلى بـ: "أل" الجنسية

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير