تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأطيب سلام.

سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ: فذلك من الدعاء في معرض الثناء، فنكر السلام تعظيما، ولذلك جاز الابتداء به، مع كونه نكرة لتضمنه معنى الوصف بالعظمة فهو مخصص للنكرة، وذلك نوع تعريف لها يسوغ الابتداء بها، كما تقدم. والسلام معنى جامع للبراءة من العيوب والقوادح، والدعاء بذلك أبلغ ما يكون في الثناء بسلب أوصاف النقص وإثبات كمال ضدها لزوما كما قرر أهل العلم في هذا الباب الجليل، فالنفي مراد لغيره، والإثبات مراد لذاته.

إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ: فذلك مما اطرد بمقتضى السنة الربانية، فـ: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)، فذلك العموم محفوظ لا مخصص له، فيدخل فيه كل المحسنين، وأول الناس دخولا فيه: الأنبياء عليهم السلام فهم أشرف أجناس المحسنين، فمن بعدهم تبع لهم في ذلك، فلا يعادلهم غيرهم مهما بلغت مكانته، ولكل من ذلك الجزاء العظيم نصيب بقدر تحقق وصف الإحسان فيه، فهو العلة الجالبة للحكم، فمتى كان إحسان كان الجزاء بالإنجاء وإهلاك الأعداء، ومتى لم يكن الأول لم يكن الثاني، فذلك جار على ما تقدم مرارا من التلازم العقلي بين المعلول وعلته، وفي الخبر نوع تهييج وإلهاب لكل محسن لكي ينال من ذلك الجزاء نصيبه، فهو خبر بمعنى الإنشاء على ما اطرد من دلالة أخبار الوعد على الحث على ملازمة موجبه من الطاعات المنجية.

إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ: فذلك مزيد إطناب في الثناء عليه، وهو، أيضا، منزل منزلة التذييل بالعلة عقيب المعلول، فصدر بالتوكيد فإنه: مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ، على جهة بيان الجنس والتبعيض معا، من عبادنا: فتلك العبودية الخاصة، عبودية العابد المنقاد اختيارا لا العبد المذلل اضطرارا، ولذلك ذيلت الآية بوصف الإيمان، فالعبودية الاضطرارية يشترك فيها كل الخلائق: مؤمنهم وكافرهم، فلا يتعلق بها مدح أو ذم لذاتها، بخلاف العبودية الاختيارية، فيتعلق بها الثناء لوقوعها من صاحبها اختيارا، وإن لم يخرج باختياره لها بامتثال الأمر الشرعي طواعية عن الأمر الكوني النافذ فلا تكون طاعة أو معصية، بل لا تكون حركة في الكون إلا بمشيئة الرب جل وعلا.

ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ: استكمالا للعناية به، فنجى وهلك أعداؤه.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[05 - 04 - 2010, 09:14 ص]ـ

وعودة إلى سورة غافر:

ومن قوله تعالى: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ):

فأكدت دلالة الإيجاد باللام، فهي إما أن تكون لام الابتداء على وزان قولك: لزيد قائم، والزيادة في المبنى باللام مئنة من الزيادة في المعنى، وإما أن تكون لام جواب قسم مؤكد، فذلك وجه توكيد آخر، فالتوكيد على كلا الوجهين حاصل، وهو مما يناسب المقام، إذ ذلك توطئة لما سيأتي بعد ذلك من الأمر بدعاء الرب، جل وعلا، (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)، فذلك من صور التأله التي يجب على كل مكلف إفراد الرب، جل وعلا، بها، فلا يدعى سواه، ولا يرجى سواه، لكمال قدرته على إجابة الداعي دون من سواه، فإجابة الدعاء من تدبير أمر الكون فيعطي، عز وجل، من شاء من فضله، ويمنع من شاء بعدله، فله الحمد حال الإجابة وحال المنع، فيكون ذلك جاريا مجرى التلازم الوثيق بين الربوبية وإجابة الدعاء، كما تقدم، من صور ربوبية التدبير، والألوهية، فالألوهية لازمها الوثيق: شرعا وعقلا وفطرة وحسا، فتلك من الضروريات، إذ العقل يدرك بداهة أنه لا يستحق الذل والخضوع إلا من له كمال القدرة والإحاطة بخلقه، فيشملهم بفضله وعفوه فذلك من آثار صفات جماله، وتحيق بهم آثار صفات جلاله من الإهلاك والإغراق وسائر صور العقوبات إن هم خرجوا عن شريعته وأمره.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير