تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأضيف المصدر إلى المفعول على تقدير: لخلق اللهِ السماواتَ، كما أشار إلى ذلك الألوسي، رحمه الله، فالحذف في هذا الموضع شاهد لما تقدم من دلالة الشرع والعقل وسائر وسائل الإدراك على تفرد الرب، جل وعلا، بإيجاد هذا الكون العظيم، فهو ربه المنشئ له من العدم، المدبر له فلا يختل ناموسه، يل يجري وفق سنن كوني محكم، لو خرج عنه لفسد العالم وانهار بنيانه، فسيره على هذا النحو الدقيق المتقن مئنة من كمال ربوبية مُسَيِّره، تبارك وتعالى، ووحدانيته فلا أحد غيره ينازعه الأمر فيقع الفساد والاضطراب لتعدد الآلهة الآمرة، فذلك، كما اطرد في مواضع سابقة، مظنة الفساد، بل مئنة من الفساد حتما، وشاهد حال الممالك الأرضية مع صغرها، يؤكد ذلك، فلو تعدد الملوك لفسد أمر الممالك، بل في الأسرة الصغيرة، لو نازعت الزوجة زوجها منصب القوامة، لفسد حال الأسرة لتعدد الرؤساء فيها، وشاهد حال أغلب الأسر يؤكد ذلك، أيضا، فتلك مناصب لا تقبل الشركة في عالم الشهادة، مع انحسارها واختصاصها، فكيف بمنصب الأمر والنهي تكوينا وتدبيرا لهذا الخلق العظيم، فهذا التدبير الكوني النافذ، وما يتفرع عنه من الأمر تشريعا، فهذا التدبير الشرعي الحاكم، فلا ينازع الرب، جل وعلا، فيهما إلا طاغوت قد تجاوز حد العبودية فرام نيل مرتبة الربوبية، بلسان مقاله، كفرعون، أو بلسان حاله كسائر من يجحد ربوبية الله، عز وجل، فينسب ما يقع في الكون من أحداث لغيره على جهة الاستقلال بالتأثير، أو يجيز لنفسه أو لغيره التحاكم لغير الشريعة الإلهية المنزلة من سائر الشرائع الأرضية المحدثة، فضلا عن أن يحملهم عليها حملا، فيكرههم على النزول على حكمه وإن خالف حكم الرب، جل وعلا، فتلك من أغلظ صور منازعة الرب، جل وعلا، منصب ربوبيته وإن لم ينطق بها صاحبها نطق فرعون الذي تجرأ على مقام الرب، جل وعلا، فأعلنها صراحة!.

وجاء العطف: (السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ): مئنة من كمال الإحاطة، فالكون كله، بعلويه وسفليه، بسماءه المظلة وأرضه المقلة، كله خلق كائن بمشيئة الرب، جل وعلا، العامة، وهو، في معرض الاستدلال على وقوع البعث، أكبر من خلق الناس، فذلك جار مجرى الاستدلال بقياس الأولى، كما اطرد في ميزان القرآن العقلي الصريح الموافق لقياس العقل الصحيح، فإذا كان إبداع هذا الكون على هذا النحو من الإتقان بلا مثال سابق قد وقع، أفلا تكون إعادة الخلق، وقد سبق، فإعادته أهون، أفلا يكون ذلك جائزا من باب أولى، ففيه استدلال بالأعلى على الأدنى، فمن قدر على الأعلى فهو، من باب أولى، قادر على الأدنى، والبعث، عند التحقيق، كما تقدم في مواضع سابقة، ليس جائزا فحسب، بل هو واجب شرعي دلت عليه الرسالات، وواجب عقلي دلت عليه شواهد النظر الصحيح في آيات الكون المبثوثة في الآفاق، وشواهد النظر الصحيح في قيم كالعدل والاقتصاص للمظلوم من الظالم وتوفية كلٍ ما عمل إن خيرا فخير وإن شرا فشر ..... إلخ، فتلك من القيم التي استحسنها سائر العقلاء، وإن لم يكونوا من أتباع الأنبياء عليهم السلام، وكثير قد خرج من هذه الدنيا دون أن يستوفي حقه من ظالمه، أو يقتص منه لمظلومه، فلزم من ذلك ضرورة عقلية لا يدفعها إلا جاحد مكابر، لزم من ذلك وجود دار أخرى يقع فيها ذلك.

ثم جاء التذييل بـ: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) فهو جار مجرى المثل السائر، ولذلك أظهر لفظ الناس وحقه الإضمار كما أشار إلى ذلك صاحب التحرير والتنوير رحمه الله.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[06 - 04 - 2010, 09:38 ص]ـ

وعودة إلى سياق العناية الخاصة بالأنبياء عليهم السلام في سورة الصافات:

ومن قوله تعالى: (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكًا آَلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير