تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فذلك من التنويه بشأن نوح عليه السلام إذ من شيعته الخليل عليه السلام، إمام الموحدين، وحسب نوح عليه السلام بذلك شرفا، وهو، أيضا، دليل عناية بالخليل عليه السلام إذ نسب إلى ذلك الأصل الشريف، فهي: (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ)، وشاهد ذلك من التنزيل: اصطفاء آدم ونوح وآل إبرهيم وآل عمران في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ)، فاصطفاهم الرب، جل وعلا، اصطفاء أكد بـ: "إن"، والفاعل المعنوي: المبتدأ المذكور: الاسم الكريم: "الله"، والفاعل اللفظي المحذوف وهو الضمير المستتر في الخبر: "اصطفى"، فاصطفاهم على العالمين جملة، واصطفى كلا منهم على عالمي زمانهم.

وجاء التوكيد بـ: "إن" وتقديم ما حقه التأخير واللام في: "لإبراهيم"، فكل ذلك من تقرير معنى العناية بالنبيين الكريمين عليهما السلام بالتنويه بذكرهما، وإبراهيم من شيعة نوح عليه السلام من جهة كونه من ذريته، فتلك نسبة عامة، يشترك فيها كل من جاء من نسل نوح، عليه السلام، فلا يظهر فيها وجه تفضيل، فهي كالنسبة العامة لآدم عليه السلام، فهو أبو البشر الأول، ونوح، عليه السلام، أبو البشر الثاني، كما تقدم من عناية الرب، جل وعلا، به أن أنجاه ومن معه، وأبقى نسله دونهم، فذلك رفع لذكره فلا يذكر البشر إلا ويذكر أبوهم الأول والثاني، فأبوة الأول: عامة، وأبوة الثاني: خاصة باعتبار ما فوقه، عامة باعتبار ما تحته من سائر الأجناس فمن نسله خرج العرب وخرج السودان وخرج القبط وخرج الرومان، فكل أعراق الآدميين عنه قد صدرت، فكان ذلك جزاء من جنس عمله، إذ بذل عمره في الدعوة إلى الله، عز وجل، فلما أوذي واضطهد، أهلك الله، عز وجل، عدوه بالطوفان وأنجاه وأبقى نسله إلى أن يرث الله، عز وجل، الأرض ومن عليها. وأما النسبة الخاصة التي يظهر فيها معنى التفضيل، فهي نسبة النبوة، وهو أمر قد شاطر إبراهيمُ نوحا عليه السلام فيه، فنوح أول أولي العزم، وإبراهيم ثانيهم، فذلك وجه مشايعته له، فهما قد اشتركا في الوصف العام: وصف النبوة، فذلك أيضا من المشايعة التي شارك من كان قبل إبراهيم من الأنبياء نوحا عليه السلام فيها، فقد بعث قبله هود وصالح، عليهما السلام، فهما كالخليل من شيعة نوح عليه السلام باعتبار عموم الذرية، فكل البشر مؤمنهم وكافرهم، من ذريته، وتلك، كما تقدم، نسبة عامة، وزادا على ذلك أن شاركاه في النسبة الأخص، وهي نسبة النبوة، فتلك محل تفضيل وتشريف، ثم شاركه الخليل دونهما النسبة الأخص: وهي نسبة النبوة بقيد العزم، فهي أخص من النسبة التي سبقت بورود قيد العزم على نبوته، فهو، كما تقدم، التالي لنوح عليه السلام في هذا الوصف فلا نبي من أولي العزم بينهما، ولذلك كانت النسبة بينهما وثيقة فقد اشتركا في مرتبة العموم الذي لا أعم منه، وهي نسبة البشر جميعهم إلى أبيهم الثاني نوح، عليه السلام، ومراتب الخصوص جميعها فكلاهما نبي: فهذا قيد أول خرج به كل الذرية بينهما ممن ليس بنبي، وكلاهما من أولي العزم: فهذا قيد ثان خرج به هود وصالح، عليهما السلام، فتمحضت النسبة الخاصة بينهما، فأفرد إبراهيم عليه السلام بالذكر دونهما، فذلك من قبيل القصر الإضافي لا الحقيقي، فليس اختصاصه بوصف المشايعة لنوح عليه السلام، بمانع من دخولهما في حده، فهما، أيضا، من شيعة نوح عليه السلام، فالأنبياء إخوة لعلات فالدين واحد وأصول الشرائع واحدة، على ما اطرد مرارا من كون المنسوخ في شرائع الأنبياء هو الأحكام الفرعية لا الأخبار العلمية فذلك مما لا يقع فيه نسخ أبدا وإلا أفضى إلى وقوع الكذب في أخبار الرسالات وذلك أمر محال عقلا إذ لو صح لبطلت الحجة الرسالية ولجاز تعدد الحق، وهو، بقياس العقل الصريح: واحد لا يتعدد، ولو في الأحكام العملية التي يسوغ فيها الاجتهاد، فكيف بالأخبار العلمية من إلهيات وسمعيات ونبوات، فتلك من باب أولى: لا يكون الحق فيها إلا واحدا قد أخبرت به النبوات وتواطأت على إثباته، وإن تفاوت تفصيل مجمله من نبوة إلى أخرى، حتى جمع الرب، جل وعلا، خلاصة علوم وأحكام النبوات في النبوة الخاتمة التي بعث بها النبي الخاتم صلى

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير