تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الله عليه وعلى آله وسلم برسم العالمية، فهي تلائم كل البشر لتضمنها كل علوم الرسل، عليهم السلام، فيجد فيها كل بغيته سواء أكان منتسبا إلى شريعة سماوية، أم كان بلا شريعة، فقد وجد فيها العرب والعجم ضالتهم المنشودة فبها تحصل الهداية المحمودة إلى الطريقة المثلى في العلم والعمل، فينجو من سار عليها في الأولى والآخرة، فصلاح الدنيا بها منوط، وصلاح الآخرة على الإيمان بأخبارها وامتثال أحكامها موقوف، ولا يكون نسخ أيضا، في أصول الأحكام والأخلاق والسياسات فتلك مما تواطأت العقول الصريحات على استحسانه واستقباح مخالفته، فجاء النقل الصحيح مصدقا لها مبينا لمجمل وجوه استحسانها، فما استحسنه العقل الصريح الذي يسلم للنقل الصحيح حال وروده لا يمكن أن يخالف ما جاءت به النبوات، فإن موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول أمر قد انفردت به النبوات التي يكمل الرب، جل وعلا، بها الفطرة، ويزكي العقل بالهدى العلمي وأدلته من البينات الفارقة بين الحق والباطل، فالنبوة، كما تقدم مرارا، هي أعظم منة ربانية على النوع الإنساني فلا دليل عناية بالبشر أعظم منها لتعلقها بالروح، مادة صلاح البدن في هذه الدار، ومناط التنعيم أو التعذيب في دار البرزخ فهي الأصل فيها والبدن لها تابع، وقسيمة البدن في النعيم الكامل أو العذاب الكامل في الدار الآخرة، بل هي الأصل من جهة كونها محط التصورات والإرادات التي يصدر عنها البدن صلاحا فيستحق النجاة، أو فسادا فيستحق الهلاك، فهي عند التحقيق سبب ما يكون في الدار الاخرة من نعيم أو عذاب، فهي المحرك بما يقوم بها من علوم وحركات باطنة يظهر أثرها لزوما على الظاهر، فعناية الرب، جل وعلا، بالنوع الإنساني ببعث الرسل عليهم السلام بمادة صلاح الروح أعظم من عنايته بإنزال وإخراج الأرزاق: مادة صلاح الأبدان، فلا يجدي صلاح البدن إن فسدت الروح، كما هو حال المترفين، ولا تنقطع حاجة الروح إلى غذائها في كل وقت لتوالي عرض الفتن على القلوب، فذلك أمر مشاهد في اليوم الواحد من: الاستيقاظ إلى المنام فخلاله يتقلب القلب مرات ومرات، وتهاجمه الشبهات تارة فإن لم يكن علم نافع تغتذي به الروح ضعفت وتمكنت منها الشبهة، وتهاجمه الشهوات تارة أخرى، فإن لم يكن عمل صالح: باطن وظاهر تغتذي به الروح والجوارح، إن لم يكن ذلك: ضعفت الروح وتمكنت منها الشهوة فظهرت آثار ذلك على البدن لزوما، فبينهما كما تقدم تلازم وثيق، فما قام بالروح ظهر على البدن وإن اجتهد صاحبه في إخفائه وستره.

وذلك بخلاف غذاء البدن فحاجته إليه منقطعة، فيكفيه مرة أو مرتين أو ثلاث، كما أثر عن أحمد رحمه الله، فأين ذلك من حاجة الروح التي لا تنقطع؟

والشاهد أن ذلك وجه نسبة وثيق بين كل الأنبياء، عليهم السلام، وهو ما حمل عليه أبو السعود، رحمه الله، مشايعة الخليل لنوح عليهما السلام، فهما يشتركان في الدين العام: دين التوحيد الخالص، وفي جملة من الشرائع، قد تزيد وقد تنقص فلو قيل بشرع من قبلنا فكان أصلا مطردا من أصول الأحكام في سائر الرسالات فذلك مما يقوي النسبة بينهما، وهذه النسبة، كما تقدم، ليست خاصة بإبرهيم عليه السلام، دون هود وصالح وسائر الأنبياء، عليهم السلام، وإنما اختص الخليل بالذكر في هذا الموضع بعينه، لما تقدم من وجوه النسبة الوثيقة: الخاصة والعامة، بينه وبين نوح عليه السلام، وجاء التعليل لذلك بـ: إذ جاء ربه، فقد حملها بعض المفسرين كأبي السعود، رحمه الله، على الظرفية فقدر عاملا محذوفا على ما اطرد في هذا الموضع وهو: اذكر، فيكون تقدير الكلام على الانفصال، فإن من شيعته لإبراهيم، فتم الكلام بذلك، ثم جاء الاستئناف: اذكر إذ جاء ربه بقلب سليم، أو: فاذكر إذ جاء ربه بقلب سليم، في معرض العناية به بالتنويه بكمال توحيده وخلوصه من الآفات، وحملها بعض آخر، كصاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، على التعليل، فيكون الكلام على الاتصال، فتقدير الكلام، وإن من شيعته لإبراهيم، وعلة ذلك: أنه جاء ربه بقلب سليم، فجامع نوحا عليه السلام في الحكم فهو من شيعته ولا يكون الرجل من شيعة الرجل إلا إذا كان على طريقته، فهو من شيعته بل من أخص شيعته، كما تقدم، لأنه قد شاركه الوصف وهو: سلامة القلب

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير