تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ظنهم بالرب، جل وعلا، إذ صرفوا العبادة لغيره، وذلك فرع عن جهلهم بكمال ذاته وأسمائه وأوصافه وأفعاله، فلا يكون سوء ظن إلا فرعا عن جهل سابق له، فالناس أعداء ما جهلوا.

فما ظنكم برب العالمين: أظننتم عجزه فلا يقدر على تدبير الكون فاتخذ من الخلق شركاء يظاهرونه، أم ظننتم نقصا في حكمته فلا يسعكم حكمه، بل يوقعكم امتثاله في حرج لا فكاك منه إلا بعزله عن منصب الفصل في المنازعات وتولية غيره من الخلق ذوي العلوم الناقصة والأقيسة الفاسدة؟!.

وتعليق فعل الظن برب العالمين: إشارة إلى وجوه العناية بهم، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" فذلك آكد في توبيخهم، بتذكيرهم بوصف ربوبية الإنعام عليهم بالنعم الكونية السابغة، فكان قياس العقل الصريح قاض بمقابلتها بكمال إفراده، جل وعلا، بكل صور التأله الباطن والظاهر، فلا يخشى سواه، ولا يسجد لسواه، ولا يكون حكم إلا بما وافق رسالاته الشارعة دون ما خالفها من الشرائع الأرضية الحادثة، على ما اطرد مرارا من عموم معنى التأله لكل صور العبودية الظاهرة والباطنة، فالعبادة باعتبار مفعول العبد كما عرفها بعض المحققين من أهل العلم: اسم جامع لكل ما يحبه الله، عز وجل، ويرضاه من الأقوال والأفعال الباطنة والظاهرة، فقول القلب الباطن بالتصديق والإقرار من العبادة، وقول اللسان الظاهر بالشهادة من العبادة، وفعل القلب بالخشوع والخضوع ..... إلخ من العبادة، وفعل اللسان بالتهليل والتسبيح وسائر الأذكار من العبادة، وفعل الجوارح لسائر الطاعات الظاهرة من ركوع وسجود من العبادة، فهي جامعة لكل صور التأله الباطن والظاهر، فتشمل معلوم العابد ومفعوله.

وتعليق الظن بوصف الربوبية من وجه آخر أشار إليه صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله دال على نوع وعيد بإشارته إلى وصف تمام ملك الرب، جل وعلا، لكونه، أعيانا وأفعالا، فكيف يصرف شيء من العبادة لغير الملك، عز وجل، فذلك وصف جلاله القاهر، فاستوفى المعنيان: ربوبيته بالعناية بخلقه بأوصاف جماله، وربوبية ملكه وقهره لسائر الخلق فذلك من آثار صفات جلاله، فله كمال الوصف: جلالا وجمالا، وذلك يقتضي، كما تقدم، وجوب إفراده بكل صور الألوهية.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[07 - 04 - 2010, 08:11 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90) فَرَاغَ إِلَى آَلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ)

فذلك من مجاراة القوم على سبيل التنزل إذ كانوا من الصابئة عباد الكواكب والنجوم، أو مما عرفته العرب من كلامها، فمن يقلب فكره في أمر من الأمور، يقال له: نظر في النجوم، فقلب فكره ليقترح حجة يتخلف بها عنهم فقال: إني سقيم فتولوا عنه فرارا من العدوى، فالحال: "مدبرين": مؤكدة مبينة لعاملها، فالإدبار مظنة الفرار على جهة الإسراع، فراغ، على سبيل الفور، وهو مظنة التحيل للتوصل إلى أصنامهم خفية، فضلا عن تضمين فعل الروغان معنى فعل الذهاب، فذلك وجه تعديه بـ: "إلى" كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، ثم خاطبهم على سبيل التهكم، فالعرض بـ: "ألا" في مقام الحث على تناول الطعام، مظنة الإكرام في غير هذا السياق، فلما كان المخاطب جمادا لا يعقل انقلبت الدلالة من الإكرام إلى الإهانة بالتعريض بعجزهم عن الفعل، فصارت: "ألا" الاستفتاحية على هذا الوجه: مظنة الاشتراك اللفظي فهي بالنظر إلى معنيي: الإكرام والإهانة: من الأضداد، وإن كان الأظهر فيها: الحض في مقام الزجر، والعرض في مقام التلطف مع المخاطب، فلا تخلو من معنى الإهانة وإن لم يكن ظاهرا متبادرا إلى الذهن من دلالتها المعجمية، فالدلالة الحملية لها باقترانها بقرينة السياق الذي ترد فيه: صارف معتبر لها عن معناها الظاهر الراجح وهو الإكرام

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير