تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إلى المعنى المرجوح وهو الإهانة، وذلك تأويل صحيح لصحة القرينة لفظا وعقلا، فخطاب الجماد بالإكرام في سياق التعريض بعجزه مئنة من الإهانة، فذلك أمر بدهي، لا سيما ممن قد كمل عقله كالخليل عليه السلام فلا يتصور في حقه فساد العقل بخطاب الجماد على جهة الحقيقة، وكمل دينه، فلا يتصور أنه على دين قومه يعبد آلهة لا تسمع ولا تبصر ولا تغني عن عابدها شيئا، بل قد أنكر على أبيه ذلك، كما في آيات مريم: (يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا)، فذلك أظهر دليل على بطلان ربوبيتهم، فالرب، لا يكون إلا فاعلا بإرادة ومشيئة، فدلالة الإيجاد تقتضي كونه الموجِد لغيره بكلمات كونية نافذة، على جهة الاختيار بالمشيئة العامة، فلم يوجد الكون اضطرارا مقترنا بذاته القدسية، كما يزعم الفلاسفة نفات صفات الأفعال الربانية، ففعل الرب، عندهم، من قبيل الفعل الاضطراري بالطبع، لا الفعل الاختياري بالمشيئة، كما سبقت الإشارة إلى ذلك مرارا، فمنشأ الزلل في هذا الأمر الجليل: قصور النظر عن إدراك أوصاف كمال الرب، جل وعلا، الذاتية والفعلية، وذلك مما لا يتلقى بداهة إلا من مشكاة النبوات، فلا يقدر غير النبي على إزالة الإشكالات والإجابه عن كل الاعتراضات التي يوردها أصحاب الشبهات الجاحدين لوجود أو كمال الرب جل وعلا، فالنبوة هي معدن النجاة في هذه المسألة المصيرية.

فعجز تلك الآلهة وقصورها عن تولي منصب الربوبية ظاهر، فهي مما حدث بعد أن لم يكن، فأوجدها عبادها من العدم!، وليس لها من صفات الفعل المؤثر في أحداث الكون شيء، بل هي محض تماثيل وصور يجري عليها ما يجري على سائر الكائنات من الفساد والتلف، بل حال من يدعوها أكمل من حالها، فذلك من جنس ما يقع فيه الغلاة في الأنبياء والصالحين، كما في دين النصارى ومن شايعهم من الإسلاميين على غلوهم، فتجد الخشوع والبكاء، والنذر والطواف، والتوجه بالسؤال لصاحب القبر، فقديس النصارى، والإمام أو الصالح في طرائق الغلاة من الإسلاميين لديه من وظائف الربوبية ما خلعه عليه الرب، جل وعلا، عليه على جهة النيابة!، ففوض له الأمر، فذلك عندهم من قبيل: التكريم له!، فيقول للشيء كن فيكون، كما يتردد على ألسنة الغلاة أمام بعض المشاهد في مصر، وما أكثرها!، وكل ذلك إنما يقع تحت ستار التوسل بجاه الصالحين!، فمع كونه محظورا ابتداء على خلاف في التوسل بذات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والراجح عدم جوازه، مع كونه محظورا ابتداء، إلا أنه لو سلم لهم بجوازه فليس دليلا على ما هم عليه من الشرك الأكبر، وإن كان لا يحكم بالشرك الأكبر على جهة التعيين لفرد بعينه منهم إن كان من أهل الإسلام في الجملة لا سيما في الأمصار التي خفي فيها العلم وكثر فيها دعاة الشرك الرسميون ولو بالسكوت عن المنكر فكيف بالمشاركة فيه والمتطوعون فضلا عن المنتفعين بأكل السحت الذي تفيض به خزائن النذور لتلك المشاهد والأضرحة، فالشاهد أن التوسل لا يعني طلب الرزق والذرية .... إلخ من ميت قد زال تكليفه، فـ: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ)، فآلات الفعل عندهم معطلة، لا تتصرف بضر أو نفع، فلا تنفع نفسها ابتداء فضلا عن أن تنفع غيرها بجلب رزق أو وهب ذرية ..... إلخ من الأمور الكونية التي لا تكون بداهة إلا لرب البرية، جل وعلا، فكيف يصير إلها من ذلك وصفه من العجز، والرب لا يكون إلا ذا قدرة كاملة على الخلق والإيجاد، فهو الأول فلا موجد له: (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ)، وهو الموجد لخلقه البائن عن ذاته، فلا يحل في خلقه ولا يحل خلقه فيه بل خلقهم بإرادته الكونية النافذة، فصار لهم وجود بعد العدم، فباين المربوب المحدَث، الرب المحدِث له بمشيئته، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وذلك أمر يجري على كل من خلع وصفا من أوصاف الربوبية على

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير