تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

غير الله، عز وجل، فصرف له من الألوهية ما لا يصرف إلا لله، عز وجل، ولو لم تكن حسية بركوع أو سجود، فمن رضي حكم غيره فقدمه عليه فكان مرد النزاع عنده إلى غير ما جاء به رسله، عليهم السلام، من النبوات الحاكمة برسم الشريعة الملزمة فـ: (لَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، من فعل ذلك فقد أشبه الأولين في شركهم بأن اتخذ ربا مشرعا من دون الرب الملك المدبر بقضائه الكوني النافذ وقضائه الشرعي الحاكم، والكلام، أيضا، على جهة العموم بتحرير مناط الزلل في هذا الخطب الجلل وهو: اعتقاد صفة من صفات الربوبية أيا كانت في غير الله، عز وجل، فيلزم من ذلك على جهة الجزم واليقين صرف ما يقابلها من صور الألوهية لذلك الغير فيقع الصارف في الشرك من هذا الوجه أيا كانت الصورة التي يصرفها: محسوسة كانت أو معقولة.

فصح تهكم الخليل عليه السلام من هذا الوجه، فدعاهم إلى فعل لا يقوم إلا بالأحياء، بل هو في حد ذاته، دال على نقص في الجبلة الآدمية، تنزه عنه رب البرية، عز وجل، فلا يأكل ولا يشرب لكمال غناه عن الأسباب فهو الموجد لها بقدرته المجري لها بمشيئته، فإذا كانوا عاجزين عن القيام بفعل من أفعال الأحياء المربوبين، فكيف يدعى لهم ما هو أعظم من ذلك من فعل الرب الحي القيوم الذي صدرت كل حياة عن مشيئته، فهو القائم على كل نفس بأسباب البقاء، فخلقها بكلماته الكونية النافذة ودبر أمرها بإجراء أسباب الحياة: فبقدره الكوني ركب فيها قوى الاغتذاء والنماء فأعد آلات البدن الفاعلة لقبول أسباب الحياة، وبقدره الشرعي أرسل لها الرسل عليهم السلام بكلماته الشرعية مادة حياة الأرواح، فتدبيره، كما تقدم مرارا، كوني للأبدان شرعي للأرواح فلا يشركه في هذا المنصب الرباني أحد ليصح إشراكه معه في منصب الإله المعبود الحق، فلا إله إلا هو، إذ لا رب إلا هو، فالتمانع في الربوبية بانفراده بأفعالها قاض بدلالة اللزوم العقلي الجازم بالتمانع في الألوهية، بانفراده، جل وعلا، بأفعال عباده على جهة التأله والعبودية.

مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ: فذلك مزيد تهكم بهم بإبراز وصف نقص آخر فيهم، فلا ينطقون، والرب، لا يكون بداهة إلا متكلما فتلك من الصفات التي أجمع عليها أهل السنة والمتكلمون فهي صفة كمال ذاتية معنوية قد دل عليها الشرع والعقل، فاجتمعت لها الدلالتان: الخبرية الشرعية والقياسية العقلية، فالرب يتكلم بالكلمات الكونية تدبيرا لكونه، والكلمات الشرعية ابتلاء للعباد بتصديق أخبارها وامتثال أحكامها، فبكلماته الكونية يوجد عباده وبها يعتني بأبدانهم بتيسير أسباب الحياة لها، وبكلماته الشرعية يعتني بأرواحهم فأخبار الصدق وأحكام العدل خير غذاء للروح اللطيف الحال في البدن الكثيف فلكل ما يلائمه من أجناس الغذاء.

فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ: فذلك جار على ما اطرد من بيان عجزهم الدال على بطلان ربوبيتهم وما يلزم منها من اتخاذهم آلهة ترجى وتخشى، فلا يملكون دفعا عن أنفسهم فضلا عن غيرهم، فلم يدفعوا عن أنفسهم ضرب الخليل عليه السلام، فهو ضرب يد موحدة شديدة الوطأة على كل صور الشرك فصاحبها قد كملت غيرته الإيمانية فلا يرضى إلا بإزالة كل صور الشرك المعقول والمحسوس من هذا الكون المشهود، فربه واحد وإلهه الحق واحد وإن جحد ذلك من جحد من أهل الإلحاد أو الإشراك لغيره معه في أوصافه الذاتية والفعلية من قدرة وعلم وحكمة ورزق وتدبير بالتكوين والتشريع ....... إلخ.

فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ: على جهة الإسراع انتصارا للباطل، كما ينافح أهل الباطل عن باطلهم في كل عصر ومصر، فحالهم: (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير