تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فوبخهم الخليل عليه السلام بعد أن وبخ آلهتهم، فالاستفهام إنكاري توبيخي: قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ: فكنى بالموصول عن ذكرها صراحة تحقيرا من شأنها وإمعانا في بيان بطلان ألوهيتها بتعليق الحكم على وصف النحت فهو مئنة العجز والحدوث من العدم على هيئات لا يملكون لها تقديرا أو تغييرا فهي آلهة مجبرة حتى على أوصافها الذاتية!، فذلك أبلغ في بيان عجزها عن تدبير شأنها فضلا عن شأن غيرها، فكيف جاز عقلا إفرادها بصور العبودية التي لا تصرف بداهة إلا لرب قد كملت صفاته الذاتية والفعلية، فوصف ذاته جار على سنن الكمال، ووصف فعله جار على سنن الحكمة.

وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ: فذلك من المقابلة بين كمال وصفه، عز وجل، فهو الخالق لهم ولما يعملونه من الآلهة المنحوتة!، ونقصان وصف تلك الآلهة، وليس النحت مقصورا على النحت الحسي، بل كل من غلا في متبوع أو مطاع على جهة الطغيان، فقدم أمره على أمر الرب العليم الحكيم، المنفرد بالتكوين والتشريع، فقد نحت لنفسه من إلها ولو في عقله، فذلك النحت المعنوي، فمن ناحت لإله من الهوى: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا)، ومن ناحت لإله بتحاكمه إلى الطاغوت: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا)، ولكل مشرك إلهه المنحوت!.

وقدر بعض أهل العلم: "ما": مصدرية على تقدير: والله خلقكم وعملكم، وهو معنى يعم ما تقدم، فالآلهة التي نحتوها من جملة عملهم فالله، عز وجل، خالقهم على جهة التوكيد باسمية الجملة وتكرار الفاعل معنويا بالابتداء المذكور، ولفضيا بالضمير المستور في عامله: "خلقكم"، وخالق أفعالهم القائمة بذواتهم وخالق مفعولاتهم التي يحدثونها بإراداتهم المخلوقة التي لا تخرج عن مشيئة الرب، جل وعلا، العامة. فذلك جار على ما اطرد من دليل الإيجاد في معرض تقرير ربوبية الباري، عز وجل، توطئة لإثبات ألوهيته.

قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ: فنكر البنيان تعظيما، فذلك جار على ما تقدم من انتصارهم لآلهتهم، ففسد العمل ووقع التعصب الأعمى فرعا عن الجهل المطبق، مع اعترافهم في مواضع أخر بسفه عقولهم وتسليمهم لقياس الخليل عليه السلام الصريح: (قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ)، فقياس العقل: بطلان ألوهيتهم فرعا عن بطلان ربوبيتهم لخلوهم من أوصاف الكمال وأظهرها في هذا المقام: النطق، فلو كان كبيرهم يدرك ابتداء ولو بحواس مخلوقة لرأى الخليل عليه السلام وهو يحطم بقيتهم، فشهد عليه أنه هو الفاعل لذلك، فعلموا الحق، ولكن حملهم الهوى، وذلك مئنة من فساد علمهم، والتعصب له، وذلك مئنة من فساد عملهم، حملهم ذلك على الانتصار لآلهتهم الباطلة.

فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ: فنكر الكيد على جهة التعظيم، أيضا، فذلك توطئة لكمال عناية الرب، جل وعلا، بالخليل عليه السلام، فأنجاه من ذلك البنيان العظيم وذلك الكيد العظيم وجعل أصحابه هم الأسفلين على جهة القصر بتعريف الجزأين قبل دخول فعل الجعل على المبتدأ والخبر فهم الأسفلون لا غيرهم، فذلك منطوق النص، فدل ذلك على علو منزلة الخليل عليه السلام بدلالة المفهوم، فهو على الضد منهم في الوصف، فلزم من ذلك عقلا الحكم عليه بضد ما حكم الرب، جل وعلا، عليهم من السفل الدنو فهو عال المنزلة والمكانة فرعا عن انتصاره للمعبود الحق، جل وعلا، فمن نصر دينه نصره ومن أعلا توحيده رفع له ذكره بين الخلائق، فهو من أهل: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ).

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[09 - 04 - 2010, 09:22 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ):

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير