تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وصف ذاته القدسية فمعيته لكل الخلائق بعلمه المحيط لا تنفك عن ذاته القدسية فالعلم من صفاته الذاتية المعنوية، ومنها الأخص، وهو الذي خص به الرسل عليهم السلام: (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)، و: (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)، فذلك مئنة من كمال عنايته، عز وجل، برسله، عليهم السلام، فلهم من أوصاف العناية والإحاطة أخصها، فيتعلق وصف العناية بأعيانهم بخلاف من سواهم، وإن كانوا على رسم الإيمان، فمعية الرب، جل وعلا، لهم، وعنايته بهم، معلقة بالأوصاف العامة من إيمان وصلاح وتقوى وإحسان وصديقية وشهادة .... إلخ، لا بالأعيان، كما هي حال الرسل عليهم السلام، فللرسل، عليهم السلام، أعلى درجات العناية، فسؤال الله، عز وجل، الولد َ، أمر عام يشترك فيه الخليل عليه السلام مع غيره من الرسل والبشر، فقد سأله زكريا: (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا، و: (رب لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ)، فالعبرة بعموم لفظه لا بخصوص سببه، فيجوز السؤال في حق غير الأنبياء فتلك من النعم الكونية التي يشترك فيها كل الخلائق، ومع ذلك اختص الرسل عليهم السلام، بالذكر في هذه المواضع، فذلك مما لا يخصص عموم الدعاء فيجوز في حق غير الخليل عليه السلام أن يسأل بـ: "رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ"، ويجوز في حق غير زكريا عليه السلام أن يسأل بـ: "رب لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ"، ومع ذلك اختصوا بالذكر، كما تقدم، فذلك من مزيد العناية بهم إذ وهبوا الولد على الكبر فذلك قدر زائد لا يحصل لكل أحد، فهو آية كونية في معرض التكريم للرسل، عليهم السلام، فالآيات قد ترد في معرض التحدي لمنكري الرسالات، وقد ترد في معرض التكريم للرسل عليهم السلام بالعطايا الكونية العظيمة، ومنها هبة الولد على الكبر، فذلك وجه اختصاصهم بالذكر مع عموم المعنى لغيرهم، فلا يخصص ذكرهم ذلك العموم، بل هو تنويه بشأنهم، وبيان لعظم درجاتهم.

فسأل الهبة، وحذف المفعول به، لدلالة السياق عليه فذلك من إيجاز الحذف، فقرينة: "من الصالحين" دالة على جنس الهبة، فهي هبة ولد صالح، وذلك مئنة من فقه الخليل، عليه السلام، فلم يسأل الولد مطلقا، وإنما قيد السؤال بوصف الصلاح، والهبة، كما نقل صاحب "التحرير والتنوير" عن صاحب "الكشاف" غفر الله له، تنصرف أول ما تنصرف إلى الذكر، ولم يسلم صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله بذلك، وقد يقال بأن فضل الذكر على الأنثى بمقتضى الجبلة الآدمية قرينة ترجح إرادة الولد، وإن لم يرد له ذِكْرٌ، فاللائق بحال الأنبياء عليهم السلام طلب الأعلى فذلك مئنة من علو الهمة وشرف الغاية، فما طلب الخليل الولد إلا ليكون عونا له على إقامة أمر الدين، فرفعا قواعد البيت وطهراه للطائفين والعاكفين والركع السجود، وتلك من أشرف وظائف المرسلين فبهم يقام بنيان الملة التوحيدية وتظهر أعلام السنة النبوية.

فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ: فذلك جار على ما تقدم من التعقيب بالبشرى مئنة من كمال العناية بالخليل عليه السلام، وقد جاء الفعل مسندا إلى ضمير الفاعلين على ما اطرد من عظم المنة بإسنادها إلى ضمير الجمع فهي صادرة عن الرب المتصف بجميع أوصاف الجمال فعنها تصدر نعمه وعطاياه فهي آثارها في الكون المشهود، فذلك وجه الجمع فهو جمع صفات قد بلغت الغاية في الحسن والكمال قامت بذات واحدة فليس الجمع جمع ذوات، فالرب، جل وعلا، واحد في ذاته، صمد لا ند له فيبقى بعد فناء سائر الموجودات، فهو المنفرد بالأولية والآخرية المطلقة.

فبشر الخليل عليه السلام في هذا الموضع بالغلام الحليم وهو الذبيح عليه السلام، وبشرت امرأته سارة، عليها السلام، بولد الولد في سياق آخر في سورة هود: (فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ). فاكتملت المنة بالبشرى بالولد الصلبي، وولد الولد، فخرج من نسل الخليل عليه السلام كل من جاء بعده من الرسل والأنبياء عليهم السلام. فاكتملت صورة الاستدلال واجتمعت أطراف البشرى.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير