تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[12 - 04 - 2010, 09:17 ص]ـ

ومن قوله تعالى: وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ: فجاءت المنة مؤكدة بالقسم المقدر الذي دلت عليه اللام فضلا عن دخول: "قد" على الماضي فأفادت التحقيق، فضلا عن إسناد المنة إلى ضمير الفاعلين مئنة من عظمها بعظم المسند إليه، على ما اطرد في هذا السياق، والاستعلاء الذي دلت عليه: "على": دال على تمام المنة فهو مظنة الإحاطة وخص موسى وهارون، عليهما السلام، بالذكر، لاختصاصهما بالمنة الشرعية: منة النبوة، فلم يشركهما غيرهما فيها، فذلك من جنس المعية الخاصة في نحو قوله تعالى: (إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)، فلم يشركه بنو إسرائيل فيها فليسوا لها بأهل وما وقع منهم من اتخاذ العجل في مقابل المنة الربانية بإنجائهم من فرعون وجنده خير شاهد على ذلك، ثم جاء الامتنان عليهما وعلى قومهما بالمنة الكونية التي شاركهما القوم فيها:

وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ: فخصوا بالذكر ابتداء مئنة من كمال العناية بهما، ثم عطف عليهما قومهما، فهما الأصل وغيرهم لهما تبع، فما كانت تلك المنة إلا أثرا من آثار النبوة التي أوتياها، فأيد الرب، جل وعلا، بكلماته الكونية بانفلاق البحر لهما ولقومهما وانطباقه على عدوهما، أيد بتلك الكلمات الكونية: من أنزل عليه كلماته الشرعية من النبوات الهادية فأمر بالبلاغ، فأداه على جهة الكمال فصار أهلا لعناية الرب، جل وعلا، ونصره، فجاء الإنجاء مضعفا في مبناه: "وَنَجَّيْنَاهُمَا" مئنة من الزيادة في معناه فذلك أليق بمقام العناية بالرسل عليهم السلام، فنجاهما الرب، جل وعلا، من الكرب العظيم الذي أجمل في هذا الموضع وبين في مواضع أخرى من التنزيل من قبيل:

قوله تعالى: (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ)، فذلك جار على ما تقدم من دلالة لفظ: "البلاء" على البلاء المعهود من وجه وعلى النعمة بالنجاة منه من وجه آخر، فموسى وهارون، عليهما السلام، هما: الأصل، وأتم المنة عليهما بإنجاء قومهما، كرامة لهما، ثم جاء الإطناب في بيان تلك المنة الربانية الجليلة: وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ: فأسند النصر والتأييد بالأمر الكوني لمن امتثل الأمر الشرعي إلى ضمير الفاعلين، وجاء التعقيب على جهة الفور والسببية، فغلبتهم فرع عن نصر الرب، جل وعلا، لهم، فذلك من المعلوم بالضرورة لمن كان له أدنى علم بالنبوات، وما بينته من صفات ربنا، جل وعلا، فبصفات جماله يعتني برسله عليهم السلام وبصفات جلاله ينتصر لهم من عدوهم. وذيلت الآية بالقصر بتعريف الجزأين وتوسيط ضمير الفصل بينهما، فذلك مئنة من تمام الغلبة، فكانوا هم وحدهم الغالبين لا غيرهم، فلم يغلبوا ولو مرة واحدة، بل غلبوا ابتداء بخلاف المنصور فإنه قد يغلب ابتداء ثم ينصر بعد ذلك على عدوه، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله. فيكون اختيار وصف الغالب في مقام الامتنان بهذه الآية الكونية العظيمة التي وردت مجملة في لفظ: (وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ)، مبينة في مواضع من التنزيل من قبيل: (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ)، يكون اختيار هذا الوصف والعدول عن وصف المنصور الذي قد يغلب ابتداء، كما تقدم، يكون ذلك الاختيار آكد في تقرير المنة الربانية بإظهار كمال العناية بالكليم وهارون، عليهما السلام، وقومهما لهما تبع في ذلك.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير