تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وَآَتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ: فذلك من اختصاصهما بقدر زائد من العناية الربانية، فآثرهما الرب، جل وعلا، بأعظم المنن: منة النبوة، فهي أعظم النعم الشرعية، والكونية من باب أولى، لشرف نعم الدين على نعم الدنيا بداهة لمن لم يرق دينه ويفسد قياسه فيصير من أهل: (يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)، فهو من أهل: (وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ).

والإيتاء لكليهما في: (وَآَتَيْنَاهُمَا): جار مجرى التغليب، فالمؤتى هو موسى عليه السلام وحده، فيكون ذلك، كما ذكر صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، شاهدا لمن جوز دلالة اللفظ على معنييه: الحقيقي والمجازي، عند من يقول بوقوع المجاز في التنزيل، فالإيتاء حقيقة في حق الكليم عليه السلام، مجاز في حق هارون عليه السلام، ومن ينكر المجاز فإنه يحمل اللفظ، كما تقدم، على التغليب، فذلك مما عرفته العرب في كلامها فجرى به لسانها فصار حقيقة في الدلالة على المعنى المراد، فهو من جنس قول عائشة رضي الله عنها: "الْأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ"، فهو دال على التمر والماء، وإن كانت دلالته المعجمية على كليهما غير حاصلة، فاللون الأسود: عرض، والتمر والماء جوهران، وإنما غايته أن يدل على التمر باعتبار لونه، ويقال، أيضا، بأن إيتاء هارون الكتاب ثابت من وجه آخر فهو أشد الناس انتفاعا به بعد الكليم عليه السلام، لمكان عصمته، فضلا عن كون نبوته فرعا عن نبوة الكليم عليه السلام،: (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي) فيلحق الفرع بأصله في الحكم لاشتراكهما في الوصف: (فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، فأفرد من جهة المعنى وإن كانا اثنين من جهة الذوات، فيكون الإيتاء حقيقة في حق هارون، عليه السلام، من هذا الوجه.

وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ: فذلك قدر زائد على الهداية الكونية العامة، فالهداية هنا هي: الهداية الشرعية الخاصة لقرينة القيد بـ: (الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)، فلهما، بداهة، لمكان التأييد بالعصمة، أعلى درجاتها فذلك من كمال عناية الرب، جل وعلا، برسله عليهم السلام.

وعل ما اطرد في سياق نوح وإبراهيم عليهما السلام:

وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآَخِرِينَ (119) سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ:

فذلك من كمال العناية بإعلاء الذكر في الآخرين فلا يذكران عليهما السلام إلا بالثناء الجميل، والدعاء بالسلام من كل نقص وعيب على جهة التعظيم الذي دل عليه التنكير، فذلك جزاء المحسنين، فهما من العباد برسم الاختيار، فكلاهما: عابد شرعا، مع كونه عبدا كونا، فنسبة الكون عامة لا تظهر فيها آثار المنة بالهداية الشرعية التي تقتضي الثناء والإفراد بالذكر، بخلاف نسبة الشرع الخاصة، فهما من المؤمنين، وذلك مشعر بعراقتهما في الوصف على وزان ما تقدم من قوله تعالى: (سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)، فذلك آكد في الثناء عليهما بالإيمان من قولك في غير القرآن: إنهما مؤمنان.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[13 - 04 - 2010, 08:01 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (129) سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ):

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير