تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[14 - 04 - 2010, 08:13 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133) إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (135) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآَخَرِينَ (136) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ):

فذلك جار مجرى ما تقدم في قوله تعالى: (وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ)، فجاء التوكيد على نبوة لوط عليه السلام فهو من جنس التوكيد على نبوة إلياس عليه السلام، ثم جاء بيان وجه المنة عليه مقيدا بظرف: "إذ"، وإن كانت المنة عليه سابغة كالمنة على سائر الأنبياء عليهم السلام، وإنما تظهر آثارها أعظم ما تظهر في إنجاءهم من أعدائهم، وإهلاك أعدائهم بأجناس من العذاب هي من آثار صفات جلال الرب، جل وعلا، وعظم قدرته، وكمال حكمته، فلكلٍ عذاب يلائم جنس معصيته، فقد بدلوا الفطرة الكونية بإتيان الذكران، وبدلوا الفطرة الشرعية بعبادة الأثان، فجعلوا عاليها سافلها، فكان العذاب: (فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ). فجاء الجعل الكوني مسندا إلى ضمير الفاعلين، كما اطرد مرارا، في مواضع النعمة المنجية والنقمة المستأصلة، وزيد في بيان إجمال العذاب بوصف الحجارة بالتتابع كما في آية هود: (حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ)، فذلك آكد في الإيلام، فاستأصل، تبارك وتعالى، قراهم ونكس دورها وبشرها، لما نكست فيها الفطر، فلم يغر على الفطرة الشرعية والكونية أحد، فإما فاعل مصر وإما راض مقر، فلم يغر إلا لوط، عليه السلام، فأنذر وحذر، ثم خرج برسم الهجرة فسلك سنن النبيين عليهم السلام، فـ: (قَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، فتلك سنة الرب، جل وعلا، بأمر الأنبياء بالخروج قبل وقوع العذاب الكوني النافذ، فنجاه الرب، جل وعلا، وجاء الفعل مضعفا من التنجية لا الإنجاء، فذلك أبلغ في تقرير المنة الربانية، وحصلت المنة بتنجية أهله معه، فلو نظر إلى المعنى اللغوي للأهل فإن الاستثناء يكون متصلا، فنجي وابنتاه فهما من أهله وخاصته، ولم تنج امرأته مع أنها من جهة المخالطة: من أهله، بل هي أهله على ما قد اطرد في كلام العرب من إطلاق لفظ الأهل على الزوج، فهي أهل الرجل باعتبار ما يكون بينهما من المخالطة والمعاشرة، ولو نظر إلى المعنى الشرعي فإن الاستثناء يكون منقطعا فليست من أهله، فأهل الرسول من آمن به، فمن لم يؤمن به فليس من أهله، فـ: (يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ)، بالنظر إلى الإيمان، وإن كان من أهله بالنظر إلى الأنساب، فيكون الاستثناء منقطعا من هذا الوجه، وجاء وصفها بالعجوز على جهة التنكير تحقيرا لشأنها، وفيه مزيد بيان لقوله تعالى: (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ)، فعلم مكانها منه في هذه الآية: فهي امرأته، وعلم وصفها من آية أخرى، فهي عجوز، واستغني بالوصف عن الموصوف فالعجوز وصف لا يطلق إلا على المرأة الكبيرة، في مقابل الشيخ الذي يطلق على الرجل الكبير، فلا حاجة إلى ذكر جنس الموصوف لدلالة الوصف عليه، فهو كما تقدم، مختص بجنس الإناث دون الذكور، فنجي وأهله إلا عجوزا بقيت مع سائر المهلكين.

ثم جاء التذكير بعد بيان تلك الآية الكونية الباهرة، فذلك من الأمر الشرعي بعد إقامة البرهان الكوني، على ما اطرد مرارا من التلازم الوثيق بين الربوبية وما يتفرع عنها من نفاذ الأمر الكوني، والألوهية وما يلزم منها من وجوب التزام الأمر الشرعي، فـ: (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)، فاستغرق السياق شطري الزمان وذلك آكد في بلوغ الحجة وحصول الموعظة الزاجرة عما وقعوا فيه من شرك وفساد لئلا ينالهم ما نال أولئك فـ: (مَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ)، فالعبرة بعموم المعنى لا بخصوص اللفظ، وذيلت التذكرة بالاستفهام الإنكاري التوبيخي في معرض الحض على التزام الطريقة الشرعية المثلى: أَفَلَا تَعْقِلُونَ، فتطردون قياس العقل الصريح

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير