تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فتؤمنوا بالرب القدير فهو الإله المعبود بحق.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[15 - 04 - 2010, 08:12 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145) وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (146) وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) فَآَمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ):

فذلك من جنس ما تقدم في خبر إلياس ولوط عليهما السلام.

فذكر من قصة يونس عليه السلام خروجه من نينوى، متأولا، فلجأ إلى الفلك المملوء بالركاب، فاستعير معنى إباق العبد من سيده لخروج يونس، عليه السلام، من نينوى غضبة لربه، عز وجل، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فتأول الخروج ولم يؤذن له به، يأسا من إيمان قومه، ثم جاءت الفاء الفصيحة في معرض بيان الابتلاء الذي نصح به يونس عليه السلام لربه، جل وعلا، فخلص معدنه النفيس من شائبة فوات الصواب في اجتهاده بالخروج من أرض قومه غضبة لربه، تبارك وتعالى، كما تقدم، فلا يقر الوحي الأنبياء، عليهم السلام، على خطأ، بل لا يقرهم على خلاف الأولى، فذلك من تمام عناية الرب، جل وعلا، برسله عليهم السلام، لمكان العصمة والاقتداء، فهم أصحاب الشرائع الكاملة، فلا يتصور منهم خطأ في البلاغ، بل قد بلغوا رسالات الرب، جل وعلا، بالقول والفعل والتقرير، فجاء بيانهم أوفى بيان، فبه رفع كل إجمال، وزال كل إشكال، ودحضت كل شبهة.

فخرج فركب السفينة ... فاقترعوا فخرجت القرعة عليه، وذلك، كما نقل صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، عن ابن العربي المالكي، رحمه الله، داخل في أصل شرع من قبلنا، فهو شرع لنا ما لم يرد له مخالف أو ناسخ في شرعنا، على قول جماعة من الأصوليين، والقرعة لا تجوز في شرعنا لأمر هو مظنة القتل، فكانت القرعة عامة في شرع من قبلنا وخصت في شرعنا بصور منها: الإقراع بين الزوجات حال السفر كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وحدها القرافي، رحمه الله، بحد جامع مانع، فجوزها إذا تساوت الحقوق من كل وجه فإذا حصلت المفاضلة امتنعت، لئلا تضيع الحقوق بمصيرها إلى غير أصحابها، فهي بمنزلة الضرورة فلا يلجأ إليها إلا عند تعذر تعيين صاحب الحق جزما قاطعا أو ظنا راجحا.

فالتقمه الحوت حال كونه ملوما لخروجه بلا إذن، ومليم: فعيل بمعنى مفعول، فهو ملوم، أو بمعنى فاعل فكأنه، عليه السلام، هو اللائم لنفسه باستدعائه سبب اللوم، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، وتوجه اللوم إليه، عليه السلام، لا يلزم منه انتقاص من قدره أو حط من شأنه، بل ذلك، عند التحقيق، من كمال عناية الرب، جل وعلا، بعبده ذي النون بنفي كل شائبة عنه، فلجأ يونس إلى تحقيق وظيفة العبودية حال الشدة، فكان من المسبحين، وجاء بيان التسبيح المجمل في الصافات، في آية الأنبياء: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)، فسبح ربه، جل وعلا، وأقر بذنبه، فجاء الفرج بعد الكرب، فنبذناه، فذلك من كمال قدرته، جل وعلا، بإجراء هذه الآية الكونية الباهرة، فنسب الفعل إليه، جل وعلا، على جهة التعظيم، فذلك من نسبة فعل الحوت المخلوق إلى الخالق، عز وجل، فالنابذ هو: الحوت، باعتبار الفعل، والنابذ، هو الله، عز وجل، باعتبار الخلق فهو الذي أمر الحوت بنبذ يونس، عليه السلام، فخلق فعله بنبذه، فامتثل الحوت للأمر الكوني فهو فاعل من وجه مفعول مأمور من وجه آخر كسائر جند الرب، جل وعلا، فاختلف الفاعل باختلاف الجهة، فجهة المباشرة للحوت المخلوق، وجهة التقدير والخلق للرب جل وعلا، فنبذ بالعراء في حال سقم وضعف، وأنبتنا عليه شجرة من يقطين عناية بجسده الضعيف، ففعل الإنبات من جنس فعل النبذ، فهو من وصف فعل الرب، جل وعلا، اللائق بجلاله، فنسب إليه، أيضا، على جهة التعظيم، ثم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير