تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

اكتملت المنة بالإرسال الشرعي إلى قومه، فأقر الله، عز وجل، عينه بإيمان قومه، فآمنت له فئة عظيمة من البشر: مئة ألف أو يزيدون، فذلك مما يزيد المنة تقريرا، فلا أقر لعين الداعية من رؤية ثمرة دعوته يانعة، وإن لم يضره أن يبلغ رسالته، وإن لم يشهد نضج ثمرتها فـ: (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ).

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[16 - 04 - 2010, 09:04 ص]ـ

وعودة إلى سورة غافر مرة أخرى:

ومن قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (21) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ)

فذلك من الاستفهام التقريري في معرض الإنكار والتوبيخ، فقد ساروا في الأرض في رحلتي الشتاء والصيف فـ: (إِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)، والظرفية التي تدل عليها: "في" مئنة من التمكن في السير، فقد قطعوا تلك الأسفار جيئة وذهابا فرأوا من الآيات الكونيات الباهرات، التي هي مئنة من كمال قدرة الرب، جل وعلا، وكمال عنايته برسله، عليهم السلام، إذ أهلك عدوهم، بعذاب بئيس، فلم يغادر منهم أحدا، فـ (فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ)، فلم ينج منهم أحد، فجاءت الأفعال مسندة إلى ضمير الفاعلين على ما اطرد في مواضع الجلال، و: (اللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ)، فأحاط بهم بعلمه، وأحاط بهم بالعذاب، فما لهم من الله من ولي ولا واق، فجاء الاستفهام تقريرا من وجه، إنكاريا من وجه آخر، فقد ساروا بالفعل، فذلك وجه التقرير، ولم ينتفعوا بذلك السير، فكأنهم ما ساروا، فذلك وجه التقريع والتوبيخ، فلم يفدهم نظر الأبصار المحسوسة، إذ لم ينظروا بعين البصائر المعقولة، فتفرع عن السير النظر، فتلك دلالة الفاء مع ما لها من معنى السببية، فهي نص فيها في هذا الموضع بعينه لسبقها بالاستفهام، فلو نظروا: نظر التدبر، لأفادهم ذلك علما نافعا، لا محض تصور للمعلوم في الذهن بلا تأثير في حركات النفس، فلم يرد الله، عز وجل، بهم، خيرا، ولو أراد لأسمعهم، فانتفعوا بتلك الصورة العلمية الباطنة: عملا صالحا، على ما اطرد مرارا من التلازم بين الباطن والظاهر، فكان السابقون: هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ: فذلك من عناية الرب، جل وعلا، الكونية بهم، فأعطاهم القوى الفاعلة وأقدرهم على إظهار آثارها في الأرض، فلا زالت منها آثار شاهدة بشدة خلقهم وعظم بنيانهم، ولكنهم مع تلك النعمة الكونية السابغة: كفروا، فذلك من المحذوف لدلالة السياق عليه اقتضاء، فإيتاء النعم الكونية ليس سببا في وقوع العذاب بداهة، وإنما الكفر بها بجحد النعمة الشرعية العظمى: نعمة النبوات، هو سبب وقوع العذاب، فـ: (ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ)، و: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ)، فبدلوا النعمة الكونية بشؤم مخالفة الطريقة الشرعية، فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ: فذلك من الأخذ الكوني، كما تقدم في قوله تعالى: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)، فذلك أخذ شرعي، يتوجه الخطاب به لكل مكلف، بقدر طاقته العلمية والعملية، فليس أخذ الأنبياء عليهم السلام كأخذ آحاد المكلفين، بخلاف أخذ الرب، جل وعلا، بالعذاب فهو أخذ كوني قد انفرد به، انتصارا لرسله عليهم السلام من مكذبيهم، وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ: فذلك من التذييل في معرض الاحتراس، فنفذ فيهم الحكم، ولم يمنعهم منه مانع، فقدم الجار والمجرور عناية بشأنه وقطعا لرجائهم في حصول النجاة، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير"

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير