تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

رحمه الله، فلا ملجأ ولا منجى من الله إلا إليه: (يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آَتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ)، فهو أمر كوني نافذ لا راد له ولا مؤخر، وجاء النص على العموم بـ: "من" الداخلة على: "واق" قطعا لاحتمال التخصيص فعموم النكرة في سياق النفي ظاهر، فدلالته ظنية، كما قرر أهل الأصول، فلما دخلت عليه: "من"، صار نصا فدلالته قطعية فذلك آكد في تقرير المعنى وهو كما تقدم من أظهر صور العناية بالرسل عليهم السلام، وهو جار على ما اطرد في التنزيل من التلازم الوثيق بين فعل الربوبية: نعمة ونقمة، وما يجب على العبد مقابله من فعل الألوهية، فإن امتثل الطريقة الشرعية أصابته آثار ربوبية الجمال في الدار الأولى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)، وفي الدار الآخرة: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آَمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47) لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ)، وإن لم يمتثل أصابته آثار ربوبية الجلال في الدار الأولى: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ)، وفي الدار الآخرة: (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)، فذلك من آثار كلماته الكونيات النافذات.

ثم جاء التذييل بالتعليل فـ: "ذلك" بالإشارة إلى البعيد مئنة من عظم العذاب من وجه، وقد يقال بأنه تحقير من وجه آخر، فمقام الإهانة بالعذاب: مقام ضعة وإهانة، فقد يصح على هذين القولين: دلالة الاسم المشترك على كلا معنييه، وجاء المضارع: "تأتيهم" مئنة من كمال عنايته، عز وجل، بالبشر إذ أرسل رسله تترى، فالمضارعة مئنة من التجدد والاستمرار، فضلا عن استحضار صورة المنة، فكانت تأتيهم رسلهم بالبينات النقلية والعقلية، فجاءهم الهدى الخبري، والدليل العقلي على صحته، فقياس العقل الصريح يواطئ خبر النقل الصحيح لا محالة، فكفروا، فذكر المحذوف هنا إمعانا في تقرير الجناية في معرض التعليل قطعا لأعذارهم، فأخذهم الله، أخذا كونيا نافذا، ثم جاء التذييل بأوصاف الجلال على جهة التعليل: (إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ) فذلك آكد في تقرير المعنى، فهو قوي فذلك من وصف ذاته المطلق فالاسم: مطلق، وهو شديد العقاب فذلك من وصفه الفعلي المقيد، فالاسم: مقيد بالإضافة، وشدة العقاب أثر من آثار قوته وجبروته، عز وجل، فعطف فعل العقاب على صفة القوة فهو أثرها، فكمال فعله، جل وعلا، من كمال وصفه قد صدر.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[17 - 04 - 2010, 08:00 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)

فصدر السياق بالتسبيح تنزيها مطلقا للرب، جل وعلا، في مقام العناية بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بتلك الآية الكونية الباهرة التي قد يتطرق إلى الذهن الكاسد الوبيء إنكارها لمجرد أنها خالفت العادة الجارية المطردة، فيكون في ذلك قدح في قدرة الرب، تبارك وتعالى، بإنكار آية كونية باهرة تدل على عظم وصف القدرة الثابت لربنا، جل وعلا، على الوجه اللائق بجلاله، فهو كسائر صفاته، عز وجل، التي بلغت الغاية في الكمال فلا مطمع في إدراك كنهها وإن وعى العقل معانيها العظيمة فعظمها من عظم الموصوف بها، جل وعلا، وهل تكون الآية إلا خارقة للعادة في معرض التحدي والإعجاز للمنكرين، والعناية والتكريم للنبيين، ودونهم الصالحون الذين يؤيدهم الله، عز وجل، بجملة من الكرامات قد تشترك مع آيات الأنبياء في النوع ولكنها لا تدانيها في القدر، فإن للأنبياء منزلة لا تقبل الشركة من آحاد البشر ولو كانوا صديقين أو شهداء أو صالحين، فحسن جميعهم رفيقا، ولكن الرفقة درجات فليست رفقة الأنبياء كرفقة من يليهم في المرتبة، ولو كانت مرتبة شريفة علية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير