تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فيكفي في هذا الباب: الجواز العقلي ابتداء، فهل يعجز الرب، تبارك وتعالى عن حملان عبده بروحه وجسده الشريف من مكة إلى بيت المقدس، وهل في ذلك أمر محال لذاته يمتنع تصوره في الذهن أو وقوعه في الخارج، فبقي الأمر على حد الجواز العقلي، فلما جاء الخبر الصحيح، وهو العمدة في التصديق بالغيب الذي لا يدركه الحس، صار واجبا بعد أن كان جائزا، فمدار الأمر كما قال الصديق، رضي الله عنه، "إن كان قال ذلك فقد صدق، فقالوا: تصدقه أن قال: ذهب إلى بيت المقدس ورجع في ليلة، فقال أبو بكر: نزع الله عقولكم، أصدقه بخبر السماء، والسماء أبعد من بيت المقدس، ولا أصدقه بخبر بيت المقدس"، فلم يعارض الخبر الصحيح بقياس العقل، وإنما مدار الأمر عنده تصديق خبر النبوة التي ثبتت عنده صحتها، ابتداء، بالدلائل اليقينية: شرعا وعقلا، فذلك مبحث جليل لا يدركه إلا الأجلاء من أمثال الصديق، رضي الله عنه، فهو أعلم الناس بمخبر صفيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بل قومه جميعا قد علموا من كمال حاله وعقله ما لا يجوز معه وقوع كذب أو خلل، بل لم يجد أعداؤه إلا الكذب والافتراء ليقدحوا في كمال حاله وصدق خبره، فـ: (قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ)، وهذا حال أعدائه صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أهل الكتاب في كل زمان، فمذ بعث وأهل الكتاب قد ناصبوه العداء بعد أن نسخ رسالتهم برسالته الخاتمة، فكالوا له السباب والافتراء كيلا، كما نرى من سفلة زماننا من أهل الكتاب ومن أذنابهم من المرتدين والزنادقة وقد استعلن كثير منهم بالقدح الصريح في خاتم المرسلين وسيد العالمين صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فما زاده ذلك إلا رفعة فـ: (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ)، وما زاد أمره إلا بيانا، فعرف كل منصف نظر في سيرته نظر المستدل الطالب للهداية لا الضال المعاند الذي لا يزيده النظر في الحق إلا عمى، لسوء مقصده وضعف حجته فيأتي لزوما يما يفضح جهله، ما زاد ذلك القدح رسالته إلا ظهورا، فدينه أظهر الأديان بالحجة والبرهان، والسيف والسنان معا، أو بالحجة فقط كما هي الحال في زماننا، فلم تزد الشبهات دين الإسلام إلا نصوعا، وذلك من جملة الأدلة العقلية والحسية على صحة رسالته، فلم يقدر أحد في زمانه أو بعده على كسر سيف حجته الرسالية الدامغة، بل غايته أن يثير شبهة باردة، تدل على عظم جهله فلا يزداد الناظر فيه إلا يقينا بصحة الدين الخاتم الذي عجز خصومه عن إيجاد ثغرة فيه فابتكروا وركبوا تلك الشبهات المتهالكة التي يدل العقل ابتداء على بطلانها فضلا عن مخالفتها لطرائق البحث العلمي الصحيحة، لو كان لهم دراية به ابتداء!، فغالبهم من الجهال: جهلا مركبا، فضلا عما تقدم من سوء الطوية والمقصد، فاجتمعت فيهم السوأتان، ولا سيف للشرع قائم ليستأصل تلك النبتة الخبيثة التي أينعت في الآونة الأخيرة، والشاهد، أن مناط الأمر، صدق المخبر، فإن المتنبئ الكذاب، لا يخفى أمره، فمآله، كما تقدم مرارا، إلى افتضاح، ولو ظهر أمره حينا، ليبتلي الله ما في صدور العالمين، فبالفتن تستخرج مكنونات الصدور، وأما النبي الصادق فأمره مطرد، فمذ بعث موسى عليه السلام وأمره ظاهر فلم يقدر أحد على تكذيب رسالته، بل قد أكرمه الرب، جل وعلا، بإغراق عدوه وجنده، فكانت آية من آيات عنايته بالكليم، عليه السلام، فأهلك أمة من أجله، فهو أعظم عند الله، قدرا منها، فالمؤمن قدره عند الرب، جل وعلا، جليل، فكيف بنبي من أولي العزم، عليهم السلام، عرف بالحمية والغيرة على الدين، حتى صار مضرب المثل في ذلك، فكان له في قلوب بني إسرائيل أعظم هيبة، مع كمال حيائه وحشمته، فذلك من تمام صناعة الرب، جل وعلا، له، وله في الشدة في دين الله، أحوال، تحاكيها أحوال الفاروق عمر، رضي الله عنه، فاطرد أمره فلا مكذب له في الماضي أو الحاضر أو المستقبل، فرسالته، التي دعت إلى التوحيد، وكتابه الذي لم يسلم من التبديل والتحريف بأيدي أحبار الضلالة، قد ثبت نزول كليهما، فبلغ رسالة ربه، جل وعلا، ولا يضره أن فرط من جاء بعده

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير