تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فلم يحفظ التوارة وقد استحفظ عليها، فخان وبدل، وما قدح ذلك، كما تقدم، في الكليم عليه السلام أو في رسالته التوحيدية التي واطأت رسالات بقية إخوانه من الأنبياء عليهم السلام، فدينهم، كما تقدم مرارا، دين الإسلام الجامع، فاطراد الثناء عليه إلى يوم الناس هذا، واجتماع قلوب الموحدين الصادقين على حبه، فليس موسى الذين آمن به الموحدون كموسى الذين زعمه أبناء يهود، فقد نسبوا إليه في كتبهم من سوء الأدب مع الرب، جل وعلا، ما قد علمه من طالع أسفارهم المحرفة، وليس ذلك بمسلك آحاد المؤمنين فضلا عن أن يكون مسلك زعيم أنبياء بني إسرائيل، فمقامه الرفيع يكذب ما افتروه عليه بداهة.

وكذلك حال المسيح عليه السلام فهي من أكمل أحوال العباد الربانيين، وإن قدح فيه السفهاء من يهود برمي أمه البتول، عليها السلام، بما برأها الرب، جل وعلا، منه، فهي الصديقة أم الوجيه المقرب، والكهل الصالح، والنبي الخاتم لرسالات بني إسرائيل، العبد البار، فأول منطوقه: (إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا)، وإن قدح فيه السفهاء ممن انتسبوا إليه زورا وبهتانا، فغلوا فيه وجعلوه الرب المألوه، ونسبوا إليه من النقائص ما يتنزه عنه آحاد المؤمنين، فجوزوا تسلط أخس الخلق من يهود المكذبين للرسل الساعين في دمائهم، عليه، مع كونه الرب القدير، فأهانوه وقتلوه ثم صلبوه، وذلك لا يليق بمقام الإيمان: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا)، فضلا عن مقام الرسالة: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)، فضلا عن مقام الألوهية بزعمهم، فالفداء من الأساطير التي أقحمها شاءول اليهودي المتنصر نفاقا في ملتهم فصيرها وثنية بعد أن كانت توحيدية، فلئن تسلطوا على زكرياء ويحيى، فبرسم الشهادة لا الصلب والإهانة، ولئن سعوا في دم المسيح عليه السلام فقد رفعه الرب، جل وعلا، إليه، وطهره من الذين كفروا، فقال في محكم آيه: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)، وتلك من أظهر صور العناية بالمسيح عليه السلام، فله من جنس ما للكليم، عليه السلام، من المحبة في قلوب المؤمنين، والثناء على ألسنتهم، فنحن أولى الناس به، فتولينا له من جنس تولي النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم له، فـ: "أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم، والأنبياء أولاد علات، ليس بيني وبينه نبي"، فاطراد الثناء عليه على هذا النحو وتصديق الوحي المعصوم من التبديل له فـ: (جَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آَيَةً وَآَوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ)، هو العمدة، عند التحقيق، في إثبات وجود أولئك السادة الأماجد!، فضلا عن نبوتهم وعصمتهم، فلا خبر يصمد لمعايير النقد التاريخي المعتبرة يدل على كمال أحوالهم العلمية فهم أصحاب النبوات النازلة من السماء برسم العصمة في البلاغ فليس فيها ما يخالف ناموس التوحيد الجامع، وكمال أحوالهم العملية فهم أصح الناس إرادات باطنة، وأقوالا وأفعالا، ظاهرة، فظاهرهم قد صدق باطنهم فكل قد بلغ المنتهى في الصلاح والاستقامة، فمحال في حقهم الكذب أو العصيان، فمن عناية الرب، جل وعلا، بهم أن أرسل النبي الخاتم بالكتاب الناسخ، فأبطل ما قيل في حقهم من الأباطيل، وأثبت ما لهم من كمال الحال باطنا وظاهرا، فجواهرهم أصفى الجواهر من شوب الفساد في التصورات أو الإرادات، وظواهرهم أصدق الظواهر وأنقاها من شوب الكذب في الأقوال أو الفساد في الأعمال، فصدق الظاهر الباطن، ونزل الكتاب العزيز على ذلك خيرَ شاهد.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير