تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأما صاحب الرسالة الخاتمة، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالكلام عنه في معرض التأييد بالآيات الكونية، ومنها الإسراء، تلك الآية الكونية الباهرة، والمعراج فهي الآية الأعظم، في تلك الرحلة المباركة، والآيات الشرعية وأعظمها الكتاب العزيز السالم من التحريف والتبديل والمعارضة والتكذيب، فخبره أصدق الأخبار، فـ: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ)، فأخبر عن الماضين وذكر أحوال التالين، فجاء الشاهد المحسوس بعده خير شاهد لصحة رسالته، وحكمه أعدل الأحكام بشهادة المجامع القانونية المعاصرة، وليس للوحي فيها حاجة فهو معصوم مسدد، قبل أن توجد تلك المجامع وأصحابها ابتداء، وإنما هي النافلة في الشهادة بهد شهادة الوحي، فهو الدليل والمدلول معا، ففيه الخبر والحكم، وفيه البرهان العقلي المحكم على صحة كليهما، فالكلام عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وعلى ما سبق من ظهور أمره، وغلبة رسالته فلا تعرض على أي عاقل صحيح الإرادة والمقصد، إلا قبلها، لمواطئتها الفطرة التوحيدية الأولى في القلب، فيأتي الميثاق الثاني مجددا لما اندرس من آثار الميثاق الأول: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ)، الكلام عن كل ذلك مما لا يفي به بنان كاتب، ولا يحصيه لسان ناطق، فأدلة النبوة الخاتمة، قد بلغت، كما تقدم، حد التواتر، الذي يعجز الإنسان، لو تدبر، عن إحصاء آحاده، فحسبه أن يحصي أنواعه، فالشاهد مصدق بنبوته، والكتاب الأول فيه، على ما وقع فيه من التبديل، من البشارات ما صنفت فيه الكتب والرسائل، وصدق أخباره، وعدل أحكامه، وسلامة مقالته من المعارضة الصحيحة، ومواطأتها للفطرة السليمة، والآيات الكونية التي أجراها الرب، جل وعلا، على يديه، ومنها آية الإسراء، والآيات الشرعية السالمة من المعارضة التي أجراها، تبارك وتعالى، على لسانه، فعجز أرباب البيان من قريش: معدن الفصاحة، فلسانها كان اللسان الجامع لكل القبائل، فبها ينظم الشعر، وتنشأ الخطب، وتكتب الصحف، عجز أولئك عن معارضته ولو بآية، وتحديه لأهل الكتاب وإجابته عن شبهاتهم كما ورد في سبب نزول قوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)، وقهره لهم بالحجة والبرهان، وإظهاره عليهم بالسيف والسنان فأجلى منهم من أجلى من المدينة وخيبر، وإظهار أتباعه من بعده، برسم رسالته الخاتمة على أمم العالم القديم من الرومان الكتابيين والفرس الوثنيين، وفتحهم للأمصار من مصر إلى المغرب، ومن العراق إلى حدود الصين، ثم انحسارهم لما قصروا في القيام بأمر دينهم، فلا يظهرون على العالمين إلا به ...... إلخ، كل أولئك ويزيد من: كمال عنايته عز وجل بالنبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن كمال عنايته بالنوع الإنساني بأن يسر لهم أسباب معرفة الحق بدلائله الواضحات، لحاجتهم الماسة إلى ذلك فلا حاجة تفوق حاجة البشر إلى النبوات التي يسعد بها الإنسان في دنياه وينجو في أخراه، فكان من رحمته، عز وجل، أن بعث الرسل مبشرين ومنذرين، وأيدهم بالآيات الشرعية الصادقة، والآيات الكونية الباهرة، فثبت لكل ذي عقل صدقهم وصحة طرائقهم فهي أصدق وأعدل الطرائق بشهادة الفلاسفة المنكرين للنبوات!، فكيف بمن صدق بجنس النبوات من الكتابيين، وكيف بمن صدق بالرسالة الخاتمة، فهو أولى الناس بهذه الشهادة فقد باشر من صدق وعدل الرسالة ما لم يباشره غيره.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير