تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فسبحان الذي أسرى بعبده: فجاء التعريف بالموصول في معرض تقرير تلك الآية الكونية الباهرة، فالتسبيح للرب، جل وعلا، الذي أسرى بعبده، فوصف الإسراء هو مناط الحكم، وهو من وصف فعل الرب، جل وعلا، عناية بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقد بلغ حاله من الضيق والكرب بعد وفاة عمه أبي طالب وزوجه الكريم: أم المؤمنين، رضي الله عنها، ما بلغ، فكان ذلك من تمام العناية به، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وجاء الإسراء بالروح والبدن معا، فمسمى العبد يعم كليهما، ذلك قول جمهور أهل العلم، إذ ليس في الإسراء بالروح فقط، ما يستنكر، فهو أمر يقع لكل أحد في منامه، فعلام استنكرت قريش ذلك، إن لم يكن خلاف المعهود المطرد لديها من السنة والعادة الجارية، وجاء التأييد بإخباره صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأمور من قبيل وصف المسجد الأقصى لما جلاه الرب، جل وعلا، له، وإخباره بأمر العير التي مر عليها، فذلك قدر زائد على مجرد الانتقال بروحه وجسده الشريف من مكة إلى بيت المقدس، فالإسراء قد يقع لبعض السحرة والكهان كما يرى في الأعصار والأمصار التي تندرس فيها آثار النبوات، ولكن فساد حال صاحبها يشهد ببطلان مقالته، فضلا عن افتضاح أمره بوقوعه في الكذب لا محالة، وإن صدق في بعض خبره، فلا بد، كما تقدم، من هتك ستره لئلا تقع الفتنة العامة به، فتلك الزيادة بتلك الأمارات الزائدة، والتي لا يؤيد بها الرب، جل وعلا، في معرض التحدي، إلا نبيا معصوما، لئلا تبطل حجته الرسالية، لو جاز وقوع هذا القدر من التصديق لكذاب مدع!، فيجوز في حقه تأييد المفتري!، وذلك من نقص الوصف بمكان ففيه من وصف الرب جل وعلا بالظلم والسفه ما تنزه عنه آحاد البشر، فلا يعلم حيث يضع رسالته، فيضعها في متنبئ ضال!، وذلك محال في حقه، جل وعلا، لكمال وصفه ذاتا وأسماء وصفات وأفعالا، كما تقدم في مواضع سابقة، فهو أمر مطرد في آي التنزيل، كما في هذه الآية التي صدرت بالتسبيح فهو مئنة من نفي وصف النقص الذي تنزه الباري، عز وجل، عنه شرعا وعقلا، وذيلت بأوصاف الكمال إثباتا مفصلا: (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، فذلك على وزان قوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ): تنزيها مجملا لكل أوصاف النقص، و: (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ): إثباتا مفصلا على ما اطرد من طريقة أهل الحق في هذا الباب الجليل.

فأسرى الرب، جل وعلا، بعبده، صلى الله عليه وعلى آله سلم، فجاء وصفه بالعبودية الخاصة في أشرف المواضع مضافا إلى ضمير الرب، جل وعلا، تشريفا، كما أشار إلى ذلك صاحب التحرير والتنوير، رحمه الله، فذلك من جنس ما تقدم من مقالة المسيح عليه السلام: (إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا)، وكما جاء في وصف النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا)، فوصفه بالعبودية في أشرف المناصب البشرية: منصب الدعوة برسم النبوة المعصومة، و: (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ)، فأضافهم إليه في معرض الثناء عليهم فذلك آكد في تقرير المعنى فالإضافة إلى العظيم: تعظيم لشأن المضاف، وجاء الالتفات في قوله تعالى: (لنريه)، مئنة من عظم وبركة الآيات التي رآها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كما أشار إلى ذلك أبو السعود، رحمه الله، فضلا عن نسبة الفعل إلى ضمير الجمع المستتر في عامله، فذلك آكد في تقرير عظم تلك الآيات، وكل ذلك مئنة من كمال العناية بالنبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير