تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[19 - 04 - 2010, 07:41 ص]ـ

ومن صور عنايته، جل وعلا، بنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم في سفر الهجرة، كما في سورة التوبة:

ومن قوله تعالى: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)

فتلك من صور العناية بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في سفر الهجرة، بنصره وتأييده إذ لم ينصره قومه، فالضمير عائد عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإن لم يتقدم له ذكر، فيكون عائدا على غير مذكور، لدلالة السياق عليه، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، والشرط في هذا السياق قد أشرب معنى التقريع كما أثر عن سفيان بن عيينة رحمه الله: "إن الله عاتب الخلق جميعهم في نبيه إلا أبا بكر"، فلم يكن لها إلا الصديق الأعظم، رضي الله عنه، فهو الذي اختاره الله، عز وجل، للقيام بهذا الواجب العيني الذي سقط عن بعض المكلفين عجزا، وفرط فيه كثير كسلا، وهو أمر نجد أثره في زماننا، فمع كل تطاول على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يظهر معلوم الرب، جل وعلا، الأول في كثير من المكلفين، فتظهر زندقة كثير من المستترين برداء الإسلام الظاهر، فتلك من الفتنة التي تبلى بها السرائر، فـ: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)، فتلك آية تتكرر في زماننا كثير، بل إنها تتكرر في اليوم الواحد للقلب الواحد مرات ومرات، فيبتلى بجملة من الفتن تعرض عليه عودا عودا، فإن نجا من فتنة سقط في أخرى، والمعصوم من عصمه الله، عز وجل، بالاستغفار الوقائي من الخواطر والوساوس، والاستغفار من الفتنة التي يسقط فيها، فيسارع بالأوبة، فكل البشر يخطئ ويصيب، فمن استغفر فقد صقلت مرآة إيمانه، ومن استسلم وسار مع الخطرات حتى صارت إرادات، فتولد منها لزوما أقوال وأفعال تدخل في دائرة الكسب الذي يؤاخذ عليه العبد، فإنه في دائرة الذم واقع حتى يراجع بالاستغفار، والشاهد أن تلك الفتنة بالتطاول على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مما يظهر بها مكنون الصدور من مادة النصرة التي قام بها الصدر الأول، رضي الله عنه، خير قيام، فلئن تخلف الأصحاب، رضي الله عنهم، عن مرافقته في سفر الهجرة، فذلك لاختصاص الصديق، رضي الله عنه، بتلك المنقبة، فهو الوزير الأول والصاحب الأقرب، فلا يصلح لرفقته صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هذه الرحلة المصيرية التي يتوقف عليها أمر الرسالة إلا هو، فليس تخلف الأصحاب، رضي الله عنهم، بقادح فيهم، فمنهم من عجز فسقط عنه التكليف، ومنهم من سبقه بالهجرة، ومنهم من هاجر بمفرده فقام بما يقدر عليه من مباشرة أسباب الفرار بالدين، ومنهم من فرق بينه وبين زوجه كأبي سلمة، رضي الله عنه، ومنهم من اختطف بعد أن قطع مراحل من الهجرة كعياش بن أبي ربيعة، رضي الله عنه، فلكل حاله، ولكل عذره، ولكل تكليفه الذي يلائم قدراته، ولكل مقامه، فمقام الصديقية هو المقام الوحيد الصالح لرفقة خير البرية صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هذه الرحلة، فليس لها إلا أبو بكر، ورفقته له في الغار من جنس رفقته له في العريش يوم بدر، فذلك أخطر المواضع، فالقائد يحتفظ بجواره بأكفأ وزرائه، ثم هو مع ذلك عرضة لأن ينال منه الأعداء فهو المطلوب الأول على القائمة!، فليس لها، أيضا، إلا أبو بكر، رضي الله عنه، فالله أعلم حيث يجعل رسالته، وهو أعلم حيث يجعل الصديقية والشهادة والصلاح وسائر مراتب الديانة فلكل محل ما يلائمه، فـ: (مَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ)، فلم يكن القوم مقصرين في نصرته صلى الله عليه وعلى آله وسلم بل قد نصروه بالأنفس والأموال، فوفى الأنصار بالبيعة، وخرج المهاجرون من الدور والأموال والأولاد نصرة لدينه، وقعد منهم من قعد حارسا على بابه، ودافع عنه من دافع بالسيف بل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير