تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بالجسد فجعل نفسه ترسا يقي به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من السهام، كما صنع أبو دجانة، رضي الله عنه، يوم أحد، فتلك النصرة الكاملة التي قعد عنها في الجملة أهل زماننا فالعجز باعتبار المجموع، فلا سيف للشرع يقطع ألسنة المتطاولين على مقامه الرفيع من الكفار الأصليين والمرتدين، فكل قد استحق القتل شرعا، وإن أظهر التوبة رياء ونفاقا، أو خوفا من سيف الشرع المسلول في بعض بلاد المسلمين على ضعف اعتراه في الأعصار الأخيرة، فضلا عن كونه مغمودا بل مكسورا في كثير من أمصار المسلمين، بل بعض أولئك يحظى بالحماية الرسمية لدول تزعم حرية الفكر، ولو بالمجاهرة بالردة، كما يروج لذلك في بلاد الإسلام في الأعصار الأخيرة برسم حرية الاعتقاد الذي يروج له بعض مشايخ الضلالة ممن أوتوا ذكاء ولم يؤتوا زكاء، فحرية الاعتقاد تساوي حرية المروق من الديانة وإبطال حد الردة تشجيعا لكل زنديق على استفراغ ما في جوفه من قيح، بعد أن أمن سيف الشرع المعطل باسم الشرع، فلم يعطله إمام جور فحسب، بل عطله شيخ سوء، و:

وَهَل أفْسَدَ الدِّينَ إلا المُلوكُ ******* وَأحبارُ سُوءٍ وَرُهْبَانُها

وبعض قد رضي بذلك فانشرح صدره، فهو، كما تقدم، مارق من الديانة، وبعض لا يعنيه الأمر فهو في تحصيل دنياه مشغول فليس له من الغيرة الإيمانية ما تتألم به النفس أو يتغير به الوجه، ولو بالامتعاض من القدح في أشرف الخلق، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلو اقترب أحد من دنياه بسوء، لثار وانتفض، وأظهر من صور الغيرة والحمية ما يدفع به عن نفسه الضرر، بل ربما تعدى وظلم، بل ذلك الغالب على المتنافسين برسم تحصيل الجاه: بسلطان أو مال، والشهوات نفسانية كانت أو جسدية، فالهمم دنية، فلا تطلب بداهة إلا ما يشاكلها في الدناءة، فليست محلا قابلا لمعالي الأمور، لتغضب وتثور حمية لمقام الرسالة، فبتلك المحنة الجليلة ظهرت نفوس شريفة، وأخرى وضيعة، فذلك من كمال وصف ربنا، جل وعلا، الرب المدبر لحركات النفوس وإرادات القلوب علوا أو دنوا:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم ******* وتأتي على قدر الكرام المكارم.

ولئن حرم الإنسان الاقتصاص من أولئك، فالقادحون في شخصه الكريم، صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الكفار الأصليين بمنأى عنا، ومأمن منا، فلا سيف يطلبهم كسيف الفاتحين الأوائل، بل لا سيف يدفع عدوانهم على الدين والأرض والدم والمال والعرض!، ولا سلطان على الزنادقة في بلاد المسلمين فأمرهم موكول إلى السلطان ليحتسب عليهم إن كان له من الغيرة الإيمانية نصيب، فليس أمر استيفاء ذلك موكولا لآحاد المكلفين لئلا يشيع الهرج وتقع الفتن في بلاد المسلمين، لا سيما مع اضطهاد أهل الحق وترصد أهل الباطل لهم، فهذا أدنى ما يعتذر به للرب، جل وعلا، في مقام نصرته صلى الله عليه وعلى آله وسلم، عل فاعله يخرج من دائرة التقريع بـ:

إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ: فإلا تنصروه: (يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)، فيستبدل جيل آخر من أصحاب النفوس الباردة والهمم الدنية ممن أصابتهم الدياثة في مقتل فلا يغارون على دين أو عرض، بآخرين: لهم من الديانة ما تتحرق به نفوسهم شوقا إلى نصرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد أن خذله الجيل المفرط، فسنة التيه جارية، حتى ينقرض الجيل الجبان فيلقى في سلة المهملات الإنسانية، ويظهر جيل آخر يصنعه الرب، جل وعلا، على عينه لينتصر لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أعدائه. فليس جيلا باردا يتعلل بسماحة الإسلام التي صيرها بتخاذله ضعفا واستكانة، وذلة ومهانة، فصار الإسلام الوسطي المزعوم يساوي التفريط في الثوابت وقلة الغيرة على الأحكام والشرائع، فحال أصحابه: الذلة مع أهل الكفر والنفاق، والعزة على أهل الإيمان، فالسماحة لا تكون إلا مع الكفار الأصليين من اليهود والنصارى وسائر أهل الملل، والمنافقين، وأهل البدع، فلا نصيب لأهل الإسلام والسنة فيها!.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير