تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فـ: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ: فجاء الشرط مصدرا بـ: "قد": مئنة من التحقيق، فقد نصره الله، عز وجل، وانتهى الأمر، فدينه غالب منصور، وذكره ظاهر مرفوع، فلا يزيده أذى من قدح في عرضه الشريف إلا رفعة شأن وظهور أمر، والجناس الاشتقاقي بين الفعلين: المضارع: "تَنْصُرُوهُ"، والماضي: "نصره" مما يزيد المعنى بيانا، فضلا عن طباق السلب بالنفي في الشرط والإثبات في الجواب، فذلك مئنة من كمال عنايته، عز وجل، بنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وحسبك بنصرة الله، عز وجل، لنبيه، صلى الله عليه وعلى آله سلم، واللفظ، وإن اختص به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هذا الموضع، فهو أحق الناس بنصرته، عز وجل، بداهة، إلا أن لأتباعه من معناه نصيب بقدر نصرتهم له صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولدينه، فنصرة الرسالة: معدن الرفعة في الدارين، والتاريخ خير شاهد على ذلك، فهو كما تقدم مرارا، شاهد العدل الذي لا يكذب، فبقدر نصرة النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالدفاع عن شخصه الكريم والالتزام بمنهاج دينه القويم، بقدر ذلك تكون الغلبة في الدنيا والآخرة: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)، فلكل من هذا المعنى نصيب بقدر التزامه بالشرط، فالعبرة بعموم المعنى لا بخصوص اللفظ كما تقدم في مواضع سابقة.

إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ: فذلك من الإطناب بذكر الظرف الذي نصر فيه الرب، جل وعلا، النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وليس ذكره بداهة بمخصص لعموم نصرته، عز وجل، لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهو معنى ثابت مطرد في كل أحوال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، حتى في المواضع التي كسر فيها المسلمون كيوم أحد، فقد شمل الرب، جل وعلا، نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بصور من العناية في ذلك اليوم العصيب: (ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ)، فنزول السكينة العامة من جنس نزول السكينة الخاصة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الغار، فأخرجه الذين كفروا، فذلك من الفعل المتعدي، فأخرجوه بالتضييق عليه والسعي في دمه، فأخرجوه: ثاني اثنين: فتلك الحال مئنة من تمام الملابسة الإيمانية بين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصديقه الأعظم، رضي الله عنه، فقد يكون ذلك وجه عود الضمير في: "سكينته"، فهو راجع على المخرج برسم الحالية الثنائية بين النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصديقه الأعظم، رضي الله عنه، فنزلت السكينة على كليهما، وإن كان للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم منها قدر أعظم، لمكان النبوة، فلا يدانيه مكان الصديقية، وإن عظم، فلكل قدره من العناية الربانية تبعا لمكانته الإيمانية، وليس إيمان آحاد الأنبياء، عليهم السلام، كإيمان كل الأولياء مجتمعين بما فيهم سادة الأولياء: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، رضي الله عنهم، فنبي واحد خير من كل الأولياء، كما قرر الطحاوي، رحمه الله، في عقيدته المشهورة، فإذا كانت تلك حال آحاد الأنبياء فكيف بمقدمهم وخاتمهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإيمانه لا يدانيه إيمان أحد من الأنبياء فضلا عن الصديقين والأولياء، فذلك وجه التفاوت بين السكينة النازلة في قلب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والسكينة النازلة في قلب الصديق، رضي الله عنه، فإن اجتمع لكليهما المعنى الكلي الجامع فقد افترقا في القدر النازل في القلب تبعا لتفاوت الإيمان في قلب كليهما، ولذلك أصاب الصديق، رضي الله عنه، نوع حزن، لا جزعا على نفسه، كما يزعم المخرفون!، فلو كان كذلك ما خرج ابتداء، وما اختاره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لهذه الرحلة مع ما يكتنفها من المخاطر، فلا يختار آحاد العقلاء رفقة جبان خوار في سفر كهذا السفر فهو مظنة الرصد والمتابعة، والجبان عبء جسيم على رفيقه، فلا يصلح لأمر جليل كهذا، فحسبه صغائر الأمور دون عظائمها،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير