تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ: فجاء التعقيب بالفاء مئنة من سرعة الإجابة إذ استنصر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بربه، فأثنى عليه بما هو أهله من وصف الكمال بتأييد وتثبيت أهل الإيمان، فـ:

أنزل الله سكينته: فالسكينة من أمره الكوني النازل، فأمره، عز وجل، من السماء إلى الأرض نازل، فـ: (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)، ومن شأنه أن ينصر أنبياءه وأوليائه، ويذل أعدائه، فنزلت السكينة داخل الغار، ونزلت الغشاوة خارجه، فأعمى الله، عز وجل، أبصارهم فلم يروا النبي وصاحبه مع صحة أعينهم وسلامة مداركهم.

فالإنزال هنا من إنزال الكلمات، فالكلمات الشرعية قد نزلت على قلبه صلى الله عليه وعلى آله وسلم فـ: (إِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ)، والكلمات الكونيات قد نزلت لتثبته وصاحبه في الغار، فذلك من التأييد والتثبيت الخاص، ولتثبته وصحبه الكرام، رضي الله عنهم، فـ: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ)، و: (أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا)، فذلك من التأييد والتثبيت العام.

وإمعانا في النصرة والتأييد فذلك جار على ما تقدم من الإطناب في معرض العناية به صلى الله عليه وعلى آله وسلم:

وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا: فنكرت الجنود تعظيما فـ: (مَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ).

وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى: فذلك من الجعل الكوني النافذ الدال على كمال عزة وقهر الرب، جل وعلا، فلا غالب له، فكلمة أعدائه هي السفلى على حد التفضيل تقريرا للمعنى، فليست بسافلة بل هي السفلى، وفي المقابل وعلى حد المقابلة:

وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا: على جهة الاستئناف مئنة من الثبوت والدوام الذي تفيده الجملة الاسمية، فضلا عن التوكيد بتعريف الجزأين: "كلمة الله"، و: "العليا" وضمير الفصل، فكلماته، عز وجل، الكونية هي العليا، فلا راد لقضائه، وكلماته، عز وجل، الشرعية، هي العليا فـ: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، فالإضافة في "كلمة الله": مئنة من العموم كما قرر أهل الأصول فتشمل الكلمات الكونية النافذة، والكلمات الشرعية الحاكمة، فقضاؤه الكوني أعدل قضاء، وقضاؤه الشرعي أحكم قضاء، وأمره الكوني نافذ لا محالة، فذلك من العزة التي ذيلت بها الآية، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، وأمره الشرعي بالغ غاية العدل والحكمة، فذلك من الحكمة التي ذيلت بها الآية فـ:

اللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ: فاجتمع له وصف الجلال عزة، ووصف الجمال حكمة، فبهما ظهر من كمال وصفه في رحلة الهجرة: رحمة وعناية بنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصديقه رضي الله عنه، فذلك أثر وصف جماله، وطمسا لأبصار المشركين فذلك فرع عن طمس بصائرهم، فأصابهم الرب، جل وعلا، بعدله، بعمى القلوب والأبصار، فذلك أثر وصف جلاله.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[21 - 04 - 2010, 07:42 ص]ـ

إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير