تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

توكيد للسنة الجارية بـ: "إن"، واللام الداخلة على خبر الناسخ: "لننصر"، فضلا عن دلالته كمضارع على الحال والمستقبل فهي سنة مطردة تدور مع علتها وجودا وعدما، مصداق قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)، فمفهومه: وإلا تنصروه يخذلكم ودينه ظاهر بغيركم فما ضره توليكم، وإنما الضرر عليكم واقع.

وعطف تثبيت الأقدام على النصر: عطف خاص على عام، إذ تثبيت الأقدام فرع عن النصرة، وتثبيت الأقدام: كناية عن ثبات المقاتلين في أرض المعركة، فهو فرع عن تثبيت الجنان، فمتى ثبت القلب: ثبت البدن، ومتى صحت الصورة الباطنة علما وتصورا، ثبتت الصورة الظاهرة عملا وحكما، فعقد القلب النافع ذريعة إلى عمل الجوارح الصالح.

ولا مانع من الجمع بين المعنيين: الكنائي والحقيقي، فيكون التثبيت للقلب كناية، وللبدن حقيقة، بل ذلك أليق بالسياق الذي يصور حال المقاتل في سبيل الله، وقد جرد النية القلبية فاستقام له ظاهره وأطاعته جوارحه والأصل فيها العصيان، وتسخير الجند للعبد مئنة من رعاية الرب، جل وعلا، فدليل العناية من أدلة الربوبية، والعناية تكون بالقلب فيأتيه مدد الوحي بروح الشرع، وتكون بالبدن فيحفظه الله من التلف، ويثبته حال الشدة التي تخر فيها أقدام الجبابرة ذوي الصور الظاهرة التي ينخلع لها القلب، وصاحبها لا يزن عند الجبار، عز وجل، جناح بعوضة.

رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا: فذلك تعليق للحكم المتقدم على وصفي: الرسالة والإيمان، فيفيد بمفهومه نفي الحكم عمن قام به ضدهما من الكفر، سواء كان المتلبس به عصري الرسالة فأظهر العداء لصاحبها، أو كان عدوا لأتباعه ومن جاء بعده من المؤمنين فله من خذلان الله، عز وجل، نصيب، بقدر عدائه للدين وأهله.

وإضافة الرسل إلى ضمير الفاعلين الراجع على الله، عز وجل، في مقام النصرة، مئنة من العناية بالرسل، عليهم السلام، وهو أمر قد اطرد باستقراء تاريخ النبوات، فقد أبيدت أمم بالسنن الكوني العام، وأذل الله، عز وجل، أمما لسيف النبوة فهو، كما تقدم في مواضع سابقة، سيف عادل حال دفعه أو طلبه، فيدفع عدوان المكذبين للرسل عليهم السلام، ويطلب حال القوة والمكنة من يليه من الكفار ليزيح الطواغيت عن عروشهم، لتبلغ الحجة الرسالية سائر الأمم، ثم هي بالخيار فـ: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، فمن آمن فقد استمسك ونجا فناله من بركة النبوة القدر الأعظم، فهو منصور في الدنيا والآخرة، وإن ظهر عليه عدوه حينا يسيرا تفتضح به قلوب، وتتمحض أخرى فتنصح من شوب النفاق أو إرادة الدنيا، ومن كفر فقد خذل وهلك، ولم يفته مع ذلك حظه من بركة النبوة، فله منها نصيب في الحياة الدنيا، فله الأمن والعصمة في الدم والعرض والمال، ما لم ينقض عهده بالطعن في الدين، فقد استوجب من فعل ذلك القتل سواء أكان كافرا أصليا، أم مرتدا، فيجب على الإمام قتله بعد استتابته، على تفصيل محله كتب الحدود في دواوين الفقه، وذلك الأمن الظاهر في الحياة الدنيا قدر زائد حظي به أولئك، فلم يكن لهم منه نصيب تحت حكم الطواغيت، وإن شاركوهم الملة أو النحلة، فقد اختار كثير من نصارى الشام ومصر حكم المسلمين على الرومان الذين يشاركونهم الملة، وإن خالفوا بعضهم النحلة، كنصارى مصر الأرثوذكس، فقد رزحوا تحت نير النصارى الكاثوليك، حتى جاء الفتح المبارك زمن الخليفة الراشد عمر، على يد عمرو، رضي الله عنه، فعرفت مصر، بشهادة أي منصف، الحرية الحقيقية لا الحرية المزعومة التي يتشدق بها أدعياء الحرية والديمقراطية من ساسة هذا الزمان، فليتهم مع انحراف مدلولها، أقاموها كما أقامها منظروها وأصحابها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير