تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والشاهد أن من الأنبياء من لم يؤمر بالقتال فأرسل الرب، جل وعلا، رسل العذاب الكوني نصرة لرسل البشر الذين بلغوا الخبر والحكم الشرعي، كما أرسل الطوفان على قوم نوح، وكما أرسلت الطاغية على ثمود، والريح على هود، وكما أرسل جبريل معدن القدس على القرية التي كانت تعمل الخبائث فهي على ضد وصفه، فلها من الدنس والنجس ما استوجب تنكيسها، ومن الأنبياء من أمر بالقتال، فكان سيفه ظاهرا على سيف عدوه، فظهر يوشع بن نون، عليه السلام، على العماليق، وظهر طالوت بتزكية شمويل عليه السلام فإن: (اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ)، وكان في جنده النبي الملك: داود، عليه السلام، فاختص بكرامة قتل جالوت، وآتاه الله، عز وجل، الملك والنبوة، فكان ذلك من تمام المنة والعناية بالعبد الصالح: داود، عليه السلام، وظهر محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم على عدوه، فسلط بسيفه على أعدائه يوم بدر، ومسه والمؤمنين معه القرح يوم أحد، فقام بأمر ربه، واستجاب له المؤمنون الصادقون، فألقي الرعب في قلب عدوهم، فانحاز وجبن عن غزو المدينة، فصرف الله، عز وجل، قلبه، عن ذلك، لما رأى في قلوب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وحزبه من الصدق المشفوع بالدليل الصادق من النهوض إلى لحوق العدو مع ما بهم من جراحات، فخرجوا إلى حمراء الأسد برسم الطاعة والامتثال لأمر الوحي على لسان نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وذلك معدن النصرة، كما تقدم من قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)، ثم أرسل رسله الكونية ريحا قلعت معسكر الأعداء يوم الخندق، ثم سلط بسيف الشريعة على رقاب يهود من بني قريظة، فحكم فيهم سعد بن معاذ، رضي الله عنهم، بحكم الله، عز وجل، من فوق سبع سماوات، فاحتزت رقابهم بسيف الجلال، ثم جاء الفتح فلم يصمد لسيفه سيف، فدخل البلد الحرام فاتحا عافيا، ثم مضى إلى حنين فانكسر جنده لما وكلوا إلى أنفسهم، ولم ينكسر فهو ثابت يدعوهم بأعلى صوته، ثم جاءهم مدد العناية الرباني فاجتمعوا بعد الشتات وثبتوا بعد أن زلزلت الأقدام، فظهروا على عدوهم، وحصروه في الطائف، ثم مضى إلى تبوك، ففرت جموع الروم والعرب من أمامه ولم تصمد للقائه، فجند الرعب الكوني قد أرسل عليها إرسالا، ثم جاء من بعده من الراشدين على طريقته، فنالهم من جنس ما ناله من العناية والكرامة بالتأييد والظهور فظهر الصديق، رضي الله عنه، على جموع المرتدين، وألزمهم الخطة المخزية، فلم يقبل منهم إلا الشهادة على قتلاهم بالنار، ونزع سلاحهم فسيرهم في الزرع وخلف أذناب البقر حتى تثبت عنده توبتهم، ثم بدأت جيوشه الزحف على ممالك العالم القديم فكانت نهاية حضارة، وقيام أخرى، على ما اطرد من سنة التعاقب الدوري بين الأمم، كما سماها ابن خلدون رحمه الله، فدافعت الأمة الخاتمة سائر الأمم برسم الوحي، فأظهرها الله، عز وجل، على جند كسرى وقيصر، فانثالت الجيوش في عهد عمر إلى قلب العراق وفارس شرقا، والشام ومصر غربا، ثم جاء من بعدهم من الخلفاء الملوك، فامتدت الخلافة شرقا إلى الصين، وغربا إلى الأطلنطي، وجاز الإسلام إلى أوروبا فالتقى مع النصرانية في أول مواجهة له معها على أرضها، فحقق نصرا كاسحا حتى عبر جبال البرنيه إلى الأرض الفرنسية، فتوغل حتى كان ما كان من بلاط الشهداء، ولم تزل الأمتان في تدافع، فظهر النصارى حينا زمن الحروب الصليبية حتى قيض الله، عز وجل، لهم الأيوبيين ومن بعدهم المماليك، فكسرهم صلاح الدين، رحمه الله، في حطين، وصد المماليك غارة المغول على الشرق المسلم، وطهرت سواحل الشام من آخر أدناس الصليبيين زمن الأشرف خليل، ثم استلم الراية بنو عثمان، فكان ما كان من ظهورهم برسم الجهاد على الدولة البيزنطية الشرقية، وانثالت جيوشهم من شرق القارة، هذه الكرة، حتى طرقت أبواب العاصمة النمساوية "فيينا"، ثم بدأ الانحسار بانحسار الديانة شيئا فشيئا في قلوب المسلمين حتى آل الأمر إلى تصدع بنيان الخلافة ثم انهيارها على يد جيل متقدم من العلمانيين أشرب بغض الدين، فسلط بالقدر الكوني النافذ، على بلاد المسلمين، ثم امتد أثره في الأعصار المتأخرة، فما تلك الزعامات الوهمية التي أذلت المسلمين وذلت لأعدائهم إلا قطف من ثمار العلمانية في أدوارها اللاحقة، وتسلطها خير شاهد على اطراد السنة الكونية: طردا بالنصرة حال الاستمساك بعرى الدين الوثقى، وعكسا حال تفريطها وتوليها عن إقامة أحكام الديانة أفرادا وجماعات، عقائد وشعائر وأحكاما، فالسنة، كما تقدم مرارا، مطردة منعكسة، لا تسير وفق هوى أحد، بل يسيرها الرب، جل وعلا، بقدرته النافذة وحكمته البالغة.

فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ: تقسيم لأوجه القسمة العقلية على جهة الحصر فنصر عاجل ونصر آجل، نصر بالتمكين في الدنيا، ونصر بالنجاة في الآخرة.

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير