تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[23 - 04 - 2010, 08:34 ص]ـ

ومن سورة غافر أيضا:

ومن قوله تعالى:

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا: فذلك إطناب في معرض بيان أطوار الخلق إمعانا في تقرير السنة الربانية في إيجاد الخلق.

وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ: فتصدير الآية ببيان ربوبية الإيجاد مؤذن بتذييلها بألوهية الامتثال.

هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ:

فذلك طباق في معرض استيفاء أوجه القسمة العقلية لأوصاف الربوبية من الإحياء والإماتة، وبعد خصوص الإحياء والإماتة، إذ هما من أخص أوصاف الربوبية: عموم: فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ:

فذلك من الأمر الكوني العام في معرض تقرير دلالة الإيجاد، لدلالة النكرة في حيز الشرط: "إذا" على العموم.

ومن قوله تعالى:

اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ: فتلك من دلالة العناية الكونية فالجعل كوني واللام في "لكم": مئنة من الاختصاص وهذا دليل على مزيد العناية، و: "أل" في "الأنعام" جنسية استغراقية لعموم ما دخلت عليه على ما اطرد من ملائمة العموم لسياق المنة، فإن التخصيص ينغصها، وهو مخصوص لحق الرب، جل وعلا، على ما اطرد من تخصيص المنن صيانة لجناب الدين، فيخصص العموم بالذبائح المحرمة بل الأصل فيها على خلاف الأصل المطرد في الأعيان، فإن الأصل في الأعيان الطهارة والإباحة إلى أن يرد الدليل الناقل، لقرينة العموم في قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا)، بخلاف الذبائح فإن الأصل فيها الحرمة، فيخصص هذا العموم بالخنزير والميتة وما ذبح على النصب ...... إلخ، وجاء النص على مصالح الركوب والأكل من باب الإرشاد إلى المنافع المعتبرة فذلك من تمام العناية بالخلق، أن يخلق لهم الرب، جل وعلا، الأعيان المباحة التي ينتفع بها، وأن يرشدهم إلى أوجه الانتفاع: لئلا يستعملوها في غير ما خلقت له، على وزان حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، مرفوعا، وفيه: "بَيْنَمَا رَجُلٌ رَاكِبٌ عَلَى بَقَرَةٍ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا خُلِقْتُ لِلْحِرَاثَةِ"، فدلالة التخصيص من الأدلة الصحيحة على حكمة الرب، جل وعلا، فهي مئنة من إتقانه، عز وجل، للصنعة الكونية وحكمته في سن الطريقة الشرعية التي يحصل بها تمام الانتفاع، فخلق ابتداء ثم سن الطريقة المثلى لمباشرة أجناس نعمه ليحصل كمال الاستمتاع بها فأي عناية أعظم من ذلك.

وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ: فذلك من العموم بعد الخصوص توكيدا للمنة وتنكير المنافع مئنة من التكثير فذلك مما يلائم سياق التفضل والامتنان من الرب الرحمن تبارك وتعالى، ثم خص مرة أخرى بعد العموم لحاجتهم الماسة إلى الأنعام عموما والإبل خصوصا في الانتقال بين الأمصار، فذلك مقابل الركوب في الحاجة القريبة استيفاء لأوجه القسمة العقلية فركوب الأنعام في الحاجة القريبة راحة للبدن، وركوبها في الحاجة البعيدة قضاء للحاجة والوطر، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، وثنى بذكر الوسيلة الثانية من وسائل الانتقال وهي الفلك فالسياق مستوف لأجناس الانتفاع إمعانا في تمام المنة.

وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَأَيَّ آَيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ: فيريكم آياته في أنفسكم وفي الآفاق فذلك مما يستلزم كمال الإقرار والانقياد لا الإنكار والاستكبار، والمضارعة مئنة من التجدد والاستمرار فإن العبد لا ينفك عن مطالعة آلاء الرب، جل وعلا، فعليه من نفسه شاهد وقد أتقن الله، عز وجل، خلقه، والكون حوله ناطق بآيات القدرة والحكمة، فلكل شيء خلقه الملائم وفعله في الكون على سنن متقن يحصل به تمام الانتفاع به، بل الشر مع كونه شرا محضا في نفسه إنما يشاؤه الرب، جل وعلا، لغيره، فيستخرج به، بحكمته الباهرة من المصالح المعتبرة للعباد لا لربهم فهو عنهم غني، ما يفوق مفسدة وقوعه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير